Skip to main content

توطئة 

كنت كتبت منذ سنة 2014 عن ملامح التنظيم الإداري الجديد و تساءلت عن شكل التنظيم اللامركزي الذي  نريد , و نبهت إلى خطورة الاعتماد على المفاهيم العامة كما تساءلت عن الفائدة من تعميم النظام البلدي ’ ليس رغبة مني في تجاهل الريف الذي لازال يمثل إلى يومنا هذا حوالي 70 % .وإنما لقناعتي أن البلديات القديمة و المحدثة لن تستطيع الاستجابة إلى حاجات الريف و المدينة معا ’ و لو تم الترفيع في ميزانياتها ’وهو ما سيتم و لكن بعد سنوات و لقناعتي أن البلديات القديمة و المحدثة لن تستطيع الاستجابة إلى حاجات الريف و المدينة معا ’ و إذ ما تم تحويل الاعتمادات الجهوية التي كانت تحال للمجلس الجهوية لفائدة الريف إلى البلديات فمن سيضمن حق السكان الريفيين و هم غير فاعلين ضمن المجالس البلدية  حيث أن جل الاستثمارات ستوجه لمعالجة المشاكل المتراكمة (بلديا)وهو ما سيتطلب زمنا طويلا قبل الالتفات إلى المناطق الريفية .و ها نحن اليوم و بعد سنة و نصف من تركيز المجالس البلدية ’ نلاحظ غياب هذه المناطق الريفية في كل البرامج الخاصة بالنظافة أو التعبيد أو الترصيف أو حتى زيارتها ( ما عدى بعض البلديات ) و الالتقاء بسكانها .

ونلاحظ كذلك أن هناك 80 مجلسا بلديا لم  يعقدوا الدورات العادية  وهو الإطار القانوني الذي يشرع الإجراءات البلدية بكل أنواعها ونلاحظ كذلك أن برامج الاستثمار البلدي لسنة 2020 لم يتم تطبيق مقتضيات القانون الأساسي عدد 29 المتعلق بتنظيم عمل الجماعات العمومية المحلية و القاضي بعرض برامج الاستثمار على السادة أمناء المال عوضا عن المجالس الجهوية و الغريب أن السيد وزير  وزارة الشؤون المجلية قد عمم منشورا يدعو فيه البلديات إلى عرض برامجهم على أمناء المال , “إن اقتضى الأمر”  وهو أغرب منشور تتلقاه الإدارة التونسية , وبالطبع لم يتلقى اغلب أمناء المال هذه البرامج بل إنني أتساءل إن كانوا على علم بالإجراء الجديد .

كما  نسجل إعادة إلحاق رؤساء البلديات بالنيابات الخصوصية للمجالس الجهوية  كأعضاء قارون بعد أن تم فصلهما منذ ثلاثة سنوات وهو إجراء مناقض للقانون الأساسي عدد 29, حيث تحصلت البلديات على صلاحياتها و أصبحت مستقلة تماما عن المجالس الجهوية و السبب في رأيئ (وهو صحيح ) هو انه لا يمكن إعداد المخطط الخماسي للتنمية الذي يشمل بالضرورة المشاريع البلدية و الجهوية و الوطنية و لا يمكن تقنيا إنجاز المخطط إذا لم تكن البلديات بالمجلس و لها صلاحية التصويت داخل المجلس لذلك دعا المنشور عدد … إلى إلحاقها  البلديات بالمجالس الجهوية من جديد والتفسير الثاني هو تمسك عدة مجالس بصلاحياتها والاستقلال عن المجالس الجهوية ولم تتمكن من التصدي للمشكلات اليومية حتى البسيطة منها ثم عادت لطلب مساعدة الولاة الذين فقدوا بشكل فعلي صلاحية التدخل والتحكيم بين البلديات وكذلك المواطنين ،و السؤال هو ماذا أنتم فاعلون في المستقبل حين تستقل البلديات بشكل فعلي عن المجالس الجهوية و من سيعد هذه المخططات وهو ما يدفعنا لطرح الأسئلة التالي:

  • ما علاقة المخطط التنموي البلدي ( يُعد حسب مشروع القانون كل 3 سنوات ) بالمخططات التنموية الجهوية الخماسية وما هي آليات الربط بينهما ؟

أو بمعنى آخر :

  • ما هي علاقة البرامج التنموية البلدية ضمن نطاق الجهة ببعضها وهل يمكن الحديث عن رؤية لتنمية جهوية وإقليمية متكاملة في ظل التنظيم الإداري الجديد خاصة وأن كل جماعة محلية تختص بحرية التدبير ضمن مجالها الترابي و لا تخضع لأية صبغة إلزامية في التعامل مع باقي بلديات الجهة ؟
  • ما هي الآليات القانونية التي تمكن السلطة أو المؤسسات اللامحورية من أعطاء قراراتها أو اعتراضاتها على القرارات البلدية، صبغة إلزامية (هناك خلل في إعطاء سلطة لا محورية صلاحية المتابعة أو الاعتراض على قرارات مجالس منتخبة إذ يمكن للأخيرة وفي ظل المناخ الديمقراطي الحالي أن تتمرد على  هذه القرارات أو الاعتراضات)؟  
  • هل يملك السيد أمين المال الخبرة والاختصاص للنظر للبرامج التنموية المحلية قبل المصادقة عليها جهويا وعدم الاقتصار على الموازنات المالية الصرفة( كانت البرامج التنموية البلدية تُعد بشكل فعلي بين مصالح البلدية والمجلس الجهوي الذي يُجند المصالح الفنية الجهوية ( expertise ) لفائدة البلديات؟
  • هل تملك البلديات القدرة والخبرة البشرية لإدارة الحوار مع المصالح المركزية للبتّ في برامجها التنموية في ظل غياب مرجعية جهوية اكتسبت هذه الخبرة على مدى السنين السابقة (المصالح الفنية للمجلس الجهوي والإدارات الجهوية)؟
  • كيف يمكن التوفيق في إعداد أمثلة تهيئة عمرانية محلية متناسقة مع السياسات العامة والجهوية والإقليمية في ظل إنجاز كل جماعة لمخططها العمراني بشكل منفرد وفي ظل ضعف الموارد البشرية والخبرة للمجالس الإقليمية المزمع إحداثها وفي ظل صعوبة التنسيق بين الجهات والقدرة على إيجاد التناسق المطلوب بين مكوناتها إضافة وأن دور  المجالس الإقليمية هو دور استشاريا بالنسبة للسلطة المركزية         ( حسب النص )؟
  • كيف تتصورون دور المجالس البلدية وخاصة الفقير والجديدة منها، خلال العشرية القادمة في ظل شح موارد الدولة (رغم الحديث عن التمييز الإيجابي وعن آليات التعديل للحد من الفوارق الجهوية ضمن مشروع  القانون الحالي) وكذلك في ظل ضعف خبرتها ومواردها البشرية  وفقدانها دعم المصالح الفنية للمجالس الجهوية ؟
  • ما هو مآل آليات التنسيق والتعاون بين البلديات في ظل ربطها بالخيارات الإرادية للجماعات المحلية ( ليست هناك أي صلة إلزامية لعملية التنسيق والتعاون بين بلديات الجهة الواحدة)؟
  • كيف يمكن للبلديات ذات الصبغة الفلاحية أن تنمي مواردها الذاتية (وجوبية تتطور الموارد الذاتية حسب النص )، أي الجبائية أساسا في ظل انعدام الاستثمار الخاص بها ( نزل – مصانع – فضاءات تجارية ….)  وهل ستضمن الدولة تمكين هذه البلديات من البُنى التحتية والتجهيزات الضرورية وتأمين عمليات النظافة والتنوير العمومي والترصيف …بغض النظر عن نسبة تحصيلها الجبائي، وهو مؤشر من المؤشرات المُعتمدة في تحديد مساهمة الدولة في تمويل الجماعات من المال المشترك  ( هذا الدور  كان يلعبه المجلس الجهوي ) ؟
  • ألا يمكن أن تخلق هذه الخيارات فوارق جديدة وهامة بين البلديات الغنية وباقي البلديات في ظل غياب المجلس الجهوي الذي كان يلعب دورا تعديليا في الجهة على الأقل ؟ 

نحن لم نأتي على كل المشاكل التي طرحها الواقع المادي منذ انتخبات 2018 لكثرتها و لكننا سنكتفي بذلك لنذكّ  ر من جديد ،بالاخلالات التي تضمنها القانون الأساسي عدد 29 والتي كنا نبهنا إليها قبل المصادقة على هذا القانون ومن أهمها انفصال البلديات عن بعضها وضياع المشاريع المشتركة في المجالات الصناعية أو الثقافية أو الرياضية أو غيرها من الشاريع دون الحديث عن العجز في الأداء والذي كانت المجالس تحاول أن تحدّ من نتائجه.

الجهوي والمحلي الفلسفة والأهداف :

إن أهم استنتاج يحصل لدينا عند دراسة الباب السابع من دستور 2014 وخاصة من مشروع مجلة الجماعات العمومية المحلية هو القفز على المؤسسات الجهوية وتغليب البعد المحلي، من خلال إسناد جل الصلاحيات الإدارية للبلديات كنتيجة حتمية لتغطية التراب التونسي بالنظام البلدي، في مجتمع لازال ريفيا بنسبة 75 %   إضافة إلى غياب المعرفة لدى عامته مثل نخبته بالعمل الإداري وإدارة العملية التنموية وتركه للأمر بيد الإدارة المركزية و مؤسسة الوالي منذ 1956.

فقد تقلص مجال نفوذ المجالس الجهوية ترابيا وديموغرافيا و تقلصت معه الصلاحيات بجميع أصنافها ومستوياتها، تبعا لما يقترحه مشروع قانون الجماعات المحلية الجديد، في فترة تحتاج فيها الجهة إلى إفراز قيادات جهوية تكون قادرة عبر مراكمة التجربة على التشخيص والبرمجة والتنفيذ والمراقبة ومعاضدة المركز من خلال تحويل الجهة إلى فاعل اقتصادي واجتماعي يمارسه شراكة وطنية مسؤولية وواعية ويبتعد عن خطاب المظلومية ويطرح بدائل تعبر عن حاجات الواقع الجهوي بموضوعية.  

أما الاستنتاج الآخر الهام والذي نستخلصه من قراءة المجلة فهو ضمور البعد التنموي الجهوي في التصور العام لواضعي هذا المشروع 

ونعتقد أن من صاغ هذا الفصل قادته فلسفة تُعطي أهمية للعملية السياسية على حساب التنمية وقد تمت ترجمة هذه الفلسفة في كل الفصول اللاحقة التي أولت اهتماما خاصا بإدارة العملية السياسية على المستوى المحلي ووضعت لها ميكانيزمات ومؤسسات بيروقراطية متطورة في عناوينها ولكنها لم تُولي طبيعة المرحلة والنسق المجتمعي الراهن أيّ اهتمام، نافية دور القيادة البشرية وقدرتها على التفاعل مع طبيعة مجتمعنا الذي لازال يعاني من ظاهرة القبلية والجهوية، حيث لا يمكن فض المشاكل الناجمة عن تنازع المصالح بين المؤسسات باللجوء إلى المحاكم الإدارية أو الغرف الجهوية للمحاسبات ، وإنما لازال يحتاج إلى سلطة وتأثير القيادة الجهوية والمحلية، حيث يضل دور الفاعل السياسي مؤثرا بل ومطلوبا ضمن مجتمع لا يملك ثقافة المؤسسات ويحتاج إلى فترة من الزمن لتمثل جملة المفاهيم الجديدة، وفي الأثناء لابد للعملية التنموية أن تتقدم دون عراقيل جديدة،  ونرى أنه يتوجب حتما تنقيح الفصل الأول بالتنصيص على أن التنمية الجهوية هي أحد أهم أهداف التنظيم اللامركزي وهو ما سيؤثر حتما على فلسفة الصياغة العامة للمجلة. 

وقد سجلنا كذلك خلط واضح في استعمال مصطلحي “المحلي ” و “الجهوي ” ضمن المشروع قانون الجماعات العمومية المحلية ومثال ذلك مضمون الفصلين 28 و 33 من المجلة و كذلك ضمن الجزء المتعلق بشرح الأسباب ومردُ ذلك في رأينا هو الاعتماد على الأدبيات الفرنسية التي اعتمدت مصطلح “المحلي ” منذ 1789 ولم يظهر عندهم مصلح الجهة بما يعنيه من مضامين واستتباعات قانونية إلا سنة 1956 ثم تأكد في أواخر القرن العشرين حيث تم بعث مجالس جهوية (قانون 5 جويلية لسنة 1972، الفصل عدد1 )، وبالتالي فإنه لا قيمة لهذا المستوى الإداري في الثقافة الفرنسية التي عرفت التطور الصناعي والاقتصادي والعمراني والثقافي مع مؤسسة البلدية، في حين استقر في وعي المواطن التونسي أن المجلس الجهوي هو قاطرة التنمية وستضل هذه القناعة راسخة في اللاوعي الجمعي إلى حين، وفي الأثناء نحن بحاجة للبحث عن أنجع السبل لتأطير وقيادة الرأي العام الجهوي عبر عملية فرز طبيعية للعناصر الأكثر قدرة على تشخيص الواقع الجهوي والتعبير عنه من خلال العمل والدربة ضمن المجالس الجهوية ، من أجل ضمان تنمية عادلة ومتوازنة بين الجهات ، خاصة في ضل شح الإمكانات المالية للدولة على المدى المتوسط وربما البعيد. ودون الإطالة في الخوض في هذا الباب لأن المجال لا يتسع له، نرى أنه لابد من توضيح مجال المصطلحين ضمن القانون الأساسي للمجلة  و الالتزام بالدقة في استعمالهما وعدم القفز على الجهوي نحو المحلي في صياغة الخطاب وإعداد التصورات على مستوى المجلة ، وهو ما سنحاول إبرازه ، دون التشكيك في دستورية المشروع المقترح حيث أن الدستور الحالي يحتمل أكثر من اجتهاد في مجال اللامركزية وهذه المجلة هي واحدة من هذه القراءات ولكنها ليست حجة على أي اجتهاد آخر ما لم يخالف دستور 2014. 

تعميم النظام البلدي

المجلس البلدي هو صنف من أصناف الجماعات العمومية المحلية وهو “يمارس الصلاحيات الذاتية التي تكتسي بعدا جهويا بحكم مجال تطبيقها” طبقا للفصل 18 من شروع مجلة الجماعات العمومية المحلية وتتمتع الجهة بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية (الفصل 288) مثل باقي الجماعات المحلية وهو يختص “مبدئيا بتصريف الشؤون البلدية والبت فيها (فصل 322) وهو يتولى “بوصفه مكلفا من طرف الدولة” بتنفيذ القوانين والتراتيب الجاري بها العمل بالبلدية والقيام بكل الوظائف التي يسندها  القانون لرئيسه” (الفصل 288) وهو مدعو بمقتضى الفصول 110و 160 و 164 لإعداد المخططات التنموية وأمثلة التهيئة العمرانية وعرضها على أمانة المال الجهوي التي يحق لها طلب توضيحات, ثم يتم تقديمها إلى المصالح المركزية قصد المصادقة عليها وفتح الإعتمادات المخصصة لتنفيذ البرامج، وهو يخضع للسلطة الرقابية لأمانة المال ومؤسسة الوالي بالجهة 

 و لا نرى كيف يمكن للبلديات الحالية بصفتها الجديدة أن تُشرف على المشاريع القطاعية الجهوية( تصّورا وتنفيذا و متابعة) في ظل غياب العنصر البشري وعدم توفر الخبرة الكافية للمصالح الفنية بالبلديات للتعامل مع هذا الصنف من المشاريع (أو على الأقل لجزء هام منه) والذي كانت تشرف على إنجازه مصالح المجلس الجهوي و راكمت في شأنه خبرات بشرية هامة لا يمكن في اللحظة الراهنة الاستغناء عنها رغم النقائص المسجلة في شأنها (أنضر الفصل عدد 16 من المجلة).

وهل يمكن لهذه البلديات أن تصمد في وجه مظاهر التوتر الاجتماعي الذي سَينتج حتما بسبب مُطالبة سكان التجمعات السكانية الريفية بحقهم في الخدمات البلدية كما ينص عليه الفصل 232 من المجلة,إ ذ في انتظار أن تتعزز الموارد الذاتية للجماعات المحلية كما ينص على ذلك الفصل عدد 8 و عدد 124 من مشروع المجلة (و هو أمر شبه مستحيل بالنسبة للبلديات ذات الطابع لفلاحي) وكذلك تطوير الموارد المُحالة من الدولة (أنظر فصل 101 و 139 من المجلة) لإنجاز المرافق العمومية والبني التحتية, فإن طبيعة المرحلة ستفرض على البلديات صراعا حادا مع سكانها بحكم عجزها المتوقع على تلبية حاجاتهم الشرعية بحكم النص القانوني.

 وإننا وإن كنا نؤمن بهذا الحق, وأكثر من ذلك، إذ نرى أنه لا تنمية جهوية بدون تطوير الفضاء الريفي, فإن أسلوب معالجته سيخلق تعقيدات إدارية جديدة, ستزيد من تأزم الوضع التنموي في الجهات وتعطيل نسق الإصلاح المطلوب, إذ سيتشتت جهد الإدارات والمصالح الفنية، على قلة مواردها البشرية، في معالجة كل الملفات التنموية والاجتماعية وغيرها على مستوى محلي بعد أن كانت في الجانب الأهم منها تعالج على مستوى جهوي, وهو ما سيتسيب في إهدار الوقت و الطاقة و ربما استحالة التوفيق (بشريا) في الاستجابة إلي طلبات البلديات وهو ما يعني تعطيل نسق الإنجاز و إرهاق الإدارة الجهوية و خلق حالة من التوتر الإداري الدائمة و انقطاع التواصل بين مختلف المتدخلين.

الجماعات المحلية  والعمل التنموي 

غياب العلاقة العضوية بين المجالس المحلية بالجهة :

إن أهم ما يميز هذا الباب من قانون الجماعات العمومية المحلية هو غياب الرؤية والتصور المتكامل للمشروع التنموي الجهوي الذي يفترض فيه أن يكون الرافعة المستقبلية لمنوال تنموي وطني جامع، يعتمد على مبدأ التوازن بين الجهات مع مراعاة الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والثقافية , حيث نلمس من خلال دراسة كامل فصول المجلة غياب الآليات القانونية والمؤسسات الضامنة للعمل المشترك بين الجماعات المحلية في الجهة الواحدة، والاستعاضة عن ذلك بإقرار مبدأ التعاون والتضامن والتنسيق الإداري  أي الغير ملزم للبلديات كما تبينه كل الفصول المتعلقة بباب العمل التنموي كما ورد  بالفصول عدد: 10 و11 و19 و20 و 22 و 42 و 45 و 110 و 269 و 270 و 272 و 274 و293 ،إذ تكررت عبارة “يمكن للجماعات” في صياغة أغلب الفصول . 

فقد خص مشروع القانون الجماعة المحلية بكل الصلاحيات الترتيبية الأصلية والمفوضة لها من المركـز وأكد ضمن الفصل العاشر أن قيام أية مصلحة أو جماعة مقام جماعة أخرى لإنجاز أشغال معينة ناتجة عن تفويضات أو اتفاقيات, “لا ينتج عنه ممارسة إشراف مهما كان نوعه”, أي أن قاعدة العمل التنموي ومنطلقه هي البلدية ذات السيادة على مجالها الترابي.

 وقد اقتصر مشروع قانون الجماعات المحلية ،العمل بين الجماعات المحلية على إحداث بعض الآليات والمؤسسات البلدية لإنجاز الوظائف التنموية مثل إحداث الوكالات الاقتصادية (فصل عدد 75) والشركات العمومية المحلية لاستغلال المرافق العامة ذات الصبغة الصناعية أو التجارية (فصل عدد 99) وإحداث مجامع الخدمات بين الجماعات المحلية (فصل عدد 285 ) ويمكن للبلديات أن تنسحب من الشركات العمومية المشتركة أو مجامع الخدمات إذا لم تجد مصلحة في ذلك.

وتعود السلطة الرقابية على الجماعات المحلية و المؤسسات في ما يتعلق بجدوى عملها وقانونيته إلى مؤسسة الوالي وأمين المال الجهوي والسلطة المركزية دون المرور عبر مؤسسة المجلس الجهوي, الذي أحدثت به طبقا لنفس القانون  “لجنة جهوية للتعاون بين البلديات” طبقا للفصل 270 غير أن اللجنة المذكورة ليست لها أية سلطة تقريرية.

وبناءا على ما تقدم يقتضي قانون الجماعات المحلية، إنجاز المخططات التنموية (بما في ذلك المخطط الذي يُعده المجلس الجهوي) على مستوى محلي ويتم عرضه على أمانة المال الجهوي ووالي الجهة طبقا للفصل 102 و 103 ثم يوجه إلى الإدارة المركزية قصد المصادقة ، كما تنجز الجهات والأقاليم أمثلة التهيئة العمرانية بالتنسيق مع المصالح المركـزية طبقا للفصل 109 و تنجز الجهات والأقاليم أمثلتها العمرانية بالتنسيق مع المصالح المركزية كذلك ، طبقا للفصل 110 وحيث أن هذه أمثلة التهيئة العمرانية  تخضع لمبدأ الهـرمية  (فصل عدد 111) فإن المصالح المركزية تتولى في مرحلة لاحقة التنسيق وجوبا مع المجالس الجهوية والإقليمية (فصل 110) قبل المصادقة على المشاريع المعروضة .

وما يفهم موضوعيا مما تقدم أن عملية إعداد المخططات التنموية وأمثلة التهيئة العمرانية أصبحت  تعتمد على حلقتيـن رئيسيتين بل ومُحددتان, وهما المجلس البلدي والسلطة المركزية, حيث تم إخضاع عمليات التحكيم والمقاربة بين البلديات (في ما بينها) وبين الأخيرة والمجالس الجهوية والمجالس الإقليمية إلى سلطة المركز, حيث ينص الفصل 110 على وجوبية استشارة الإدارة المركزية للجهات والأقاليم, أي أن الإدارة المركزية هي التي تستقبل مشاريع المخططات وأمثلة التهيئة العمرانية من الجماعات (كل حد على حده) ثم تقوم بدارستها والمصادقة عليها بعد استشارة الجهات والأقاليم, علما أن الاستشارة لا تلزم من يقوم بها.

المؤسسات المتدخلة في عمل المجالس المحلية :

يقترح مشروع مجلة الجماعات العمومية المحلية ، هندسة جديدة، للعمل البلدي تنبني على مجموعة من مؤسسات الإشراف والرقابة أهمها  المجلس الإقليمي والمجلس الأعلى للجماعات والهيئة العليا للبلديات.

شكري تيساوي

متحصل على دكتوراه في علم اجتماع التنمية الجهوية واللامركزية من كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس دكتور شكري التيساوي، مختص في علم اجتماع التنمية والإدارة، باحث في مجالات التنمية والاقتصاد والإدارة، أستاذ بكلية العلوم القانونية والتصرف بجامعة جندوبة، عمل بوزارة التربية لمدة خمس سنوات ثم التحق بوزارة التخطيط والمالية لمدة سبع سنوات ومن ثمة التحق بوزارة الداخلية والتنمية المحلية لمدة 12 سنة ثم شغل خطة متفقد إداري ومالي بوزارة التربية منذ 8 سنوات