Skip to main content

لقد راينا في الفصل الثاني من الدراسة ان معنى اللامركزية لا يمكن فهمها في عموميتها’ اذ قد تكون لامركزية ادارية او وظيفية او سياسية و قد تجمع بين الأبعاد الثلاثةكما في النظام الفيدرالي .

و قد اختار النظام النظام السياسي في تونس منذ بداية التسعينات التوجه نحو اللامركزية الإدارية تحقيق لمبدء المتداركة اي ترك المهام المفصلية للوزارات و تكليف الإدارات الجهوية بباقي المهام دون تعارض بين المركز و الجيهات.

المجلس الجهوي و المجالس الاستشارية المحلية:

المجلس الجهوي هو جماعة عمومية محلية , عوضت مجلس الولاية, مرجع نظرها هو كامل تراب الولاية وهي تتمتع بالشخصية المدنية و الاستقلال المالي كما أن لها ميزانية و تتصرف في املاكها الخاصة و لها موارد ذاتية. و يتكون المجلس المجلس الجهوي بمفتضى القانون الاساسي عدد 11 لسنة 1989 و كذلك النظام الداخلي النموذجي و الامر عدد 1404 مؤرخ في 27 جويلية 1992 المتعلق بالنظام الداخلي للمجالس الجهوية من مكتب المجلس(وهو هيئة قيادة) و يراسه الوالي رئيس المجلس الجهوي و يتكون من رؤساء اللجان و له كتابة قارة يكلف بها كاتب عام الولاية و المجلس الذي يضم اعضاء مجلس النواب و رؤساء البلديات و المجالس القروية كاعضاء قارون و سبعة لجان قارة  وهي: لجنة التخطيط و المالية و لجنة الشؤؤون الاقتصادية و لجنة الفلاحة و الصيد البحري و لجنة التجهيز و الاسكان و التهيئة الترابية و لجنة الشؤون الاجتماعية و الصحة و لجنة التربية و الثقافة و الشباب و لجنة التعاون و العلاقات الخارجية  و لجنة التشغيل و الاستثمار و يراس هذه اللجان اعضاء مجلس النواب و رؤساء البلديات و يؤمن الكتابة القارة  احد المديرين الجهويين. و اصبح المجلس الجهوي بمقتضى القانون الاساسي عدد 11 و كذلك الامر عدد 457 لسنة 1989 مؤهلا للنظر في المسائل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و بالتالي اعداد المخطاطات الجهوية للتنمية و ابداء الراي في المثال التوجيهي للتعمير و امثلة التهيئة العمرانية للقرى و البت في البرامج و المشاريع و التنسيق بينها, اضافة الى البت في ميزانية التصرف و التجهيز و في الاداء على المعاليم الواجب استخلاصها و تحويل الاعتمادات المدرجة بالميزانية و التصرف في الممتلكات بالبيع او الكراء و الى جانب المجلس الجهوي ثم احداث المجدالس المحلية للتنمية بمقتضى القانون عدد 87 مؤرخ في 26 جويلية 1994,وهو هيكل استشاري يهم المعتمديات, يراسه المعتمدون و يتكون من رؤساء البلديات و المجالس القروية و العمد و ممثلون عن المصالح الفنية و هو ينظر في مسائل تهم التجهيز و التهيئة الترابية و الصحة و النظافة و التشغيل و الشؤون الاجتماعية و التخطيط و الاستثمار.كما تم إحداث المجالس القروية بمقتضى عد 726 مؤرخ في 10 جوان 1989 وهو هيكل استشاري يهدف الى تشريك سكان المناطق الريفية في مناقشة مسائل تخص النظافة و احداث و صيانة المناطق الخضراء و متابعة مثال التهيئة العمرانية الخاص بمنطقتهم و متابعة الشان الجهوي و يتركب المجلس من رئيس و مجموعة اعضاء (عضو عن كل 1000 ساكن) يتم من طرف والي الجهة.كما تم بعث برنامج استثمار يمول من قبل صندوق القروض و مساعدة الجماعة المحلية و المجلس الجهوي .

المجالس البلدية:

حافظت المجالس البلدية في التسعينات على هيكلتها و صفتها القانونية و المدنية مع تدعيم دورها كصاحبة مشروع اي هناك مشاريع تنجزها بمواردها الذاتية و اخرى بالاشتراك مع الدولة و لكن تعود ملكيتها الى البلدية .

و تم تدعيم البلديات ببعث البرنامج الوطني لتهذيب الاحياء الشعبية حيث تساهم البلدية بنسبة 30 %  من كلفته و تعود ملكيية المشاريع لها.كما تم بعث برنامج وطني لتطهير الاحياء الشعبية تموله الدولة و ينجزه الديوان الوطني للتطهيرو اعطاها الفصل 8 من مجلة التهيئة الترابية بحق المبادرة باعادة امثلة التهيئة و اقتراح “احداث نقابات للمالكين داخل المناطق الراجعة له بالنظر ” و احداث لجنة فنية لدراسة مطالب رخص البناء.كما تم تمكين رؤساء البلديات من التفرع , كما تم تمكين رؤساء البلديات من انتداب اعوان من صنف ا 2 و ا3 و الاصناف الدنيا.كما تم حذف الاشراف المحلي الذي يمارسه المعتمد و كذلك الاشراف المزدوج بين الوالي و الوزارة و اصبحت قرارات المجالس البلدية تخضع لاشراف جهوي 4 , ما عدى البلديات التي تسجل صعوبات مالية و يتكون المجلس الى 7 لجان قارة  و تشهر ادارة البلدية على تنفيذ قراراته.

الامحورية و الامركزية الوظيفية خيارا استراتيجيا:

تشير الامركزية الوظيفية(او التقنية) الى المؤسسات الجهوية و الاقليمية التي تم الشروع في بعثها خلال التسعينات وهي مؤسسات تتمتع بالشخصية القانونية و المدنية و لها استقلال مالي و مجلس إدارة يبت في السياسات الاقتصادية و المالية جهويا و هي مؤسسات ذات صبغة إدارية أو مالية او تنموية أو صناعية و تجارية و قد سعت السلطة السياسية  من وراء إحداث هذه المؤسسات الى جانب تدعيم سياسة الامحورية الى اسناد الجهات في عملها التنموي,  و تتلخص الخطوات المتخذة في تجسيد هذا الخيار السياسي و الاداري في : 

الامركزية الوظيفية: فقد تم احداث المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية و هي مؤسسة عمومية ذات صبغة ادارية يسيرها مندوب 5 و تعوض المندوبية دواوين الاحياء و تجمع  تحت اشرافها كل المصالح و الادارات التي احدثت تباعا مثل ادارة الغابات و ديوان تربية الماشية و غيرهما من المصالح و تنجز مهامها بالتنسيق مع والي الجهة.

  • إحداث المندوبيات الجهوية للثقافة وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة ادارية و هي تمثل الوزارة في الجهة و تسهر على انجاز السياسة الثقافية للدولة  وتتمتع بهامش من الحرية في استغلال و توزيع الموارد المالية و توجيه السياسة الثقافية بالجهة و هي تنجز اعمالها بالتنسيق مع الوالي و يشرف عليها مندوب.
  • بعث و اعادة هيكلة المندوبية العامة للتنمية و دواوين الجنوب زو الوسط الغربي و الشمال الغربي.
  • الدواوين2 : هو المؤسسات و مثال ذلك :ديوان تنمية الشمال الغربي هي مؤسات عمومية ذات صبغة صناعية و تجارية, لها مجلس ادارة يتكون من اعضاء من الكتاب العامين للولايات و مراقبي المصاريف العمومية. و تخضع هذه المؤسسات الى اشراف وزارة التنمية الاقتصادية.
  • احداث المندوبيات الجهوية للشباب و الطفولة : وهي مؤسسات عمومية ذات صبغة ادارية لها ميزانية ملحقة ترتيبيا بالوزارة في الجهة و تسهر على تنفيذ سياستها في هذا المجال بالتنسيق مع والي الجهة.
  • المؤسسات الامحورية المحدثة في التسعينات :
  • تم احداث و تنظيم الادارة الجهوية لوزارة املاك الدولة و هي مكلفة بتمثيل الوزارة في الجهة كما تصهر على حصر املاك الدولة المنقولة و الغير منقولة و متابعة النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها.
  • احداث وزارة البيئة و التهيئة الترابية, وقد بعثت 6 ادارات جهوية و شملت الادارة الجهوية بالشمال الغربي في بدايتها ولايات الشمال الغربي وولاية زغوان وهي تعمل على تمثيل الوزارة في الجهات و ارشاد الصناعيين في كيفية التصرف في النفايات و دراسة انجاز المصبات و تهيئة و تجميل المدن و تهيئة المناطق الخضراء و ستتحول هذه الوزارة في مناسبات عدة الى كتابة دولة تابعة لوزارة الفلاحة.

إحداث شركة الاستثمار لتنمية الشمال الغربي(SODINO) وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة تجارية و صناعية, لها مجلس إدارة و يشرف على تسييرها رئيس مدير عام وهي مكلفة بدفع الاستثمار بولايات الشمال الغربي. هذه الشركة هي شركة مساهمة حيث ساهم في راس مالها المجالس الجهوية للشمال الغربي و مستثمرون ضواحي نفس الجهة الى جانب المؤسسات البنكية و الدولة .

تم إحداث  ديوان تنمية المراعي و الغابات بالشمال (ODYSIPANO) وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية لها مجلس إدارة يشرف عليه رأس مدير عام و يتكون مجلس من الكتاب العامين للولايات و مراقب الدولة للمصاريف العمومية وهو يعمل بولايات الشمال الغربي وولاية بنزرت ويهتم بتنمية الفلاحة الجبلية و الرعوية و دعم المشاريع الصغرى بهذه المناطق و خاصة مشاريع المراة الريفية و يعتمد في مقاربته على المنهجية التشاركية.

احداث المندوبيات الجهوية للتربية:

تم اعادة هيكلة و تنظيم المندوبيات الجهوية للتربية لتتحول الى مؤسسات عمومية ذات صبغة ادارية لها استقلالها المالي تهتم بانجاز مشاريع وزارة التربية و تمثل هذه الاخيرة بالجهة و تسير مجمل المؤسسات التربوية الراجعة لها بالنظر بالتنسيق مع والي الجهة.

اعادة هيكلة وتنظيم الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية1 و تحتوي هذه الادارة على : تفقدية الشغل و مصلحة النهوض الاجتماعي و هي تهتم بتمثيل الوزارة في الجهة و مراقبة انجاز مشاريع الوزارة بالجهة و مراقبة الجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية و يشرف عليها اطار برتبة تخوله له الحصول على امتيازات رئيس مصلحة.

ولاية جندوبة:

عرفت ولاية جندوبة في هذه الفترة تغييرا في تنظيمها الترابي, حيث تم احداث معتمدية واد مليز و بلطة بوعوان 2 كما شهدت احداث عشرة مجالس قروية وثمانية مجالس محلية اضافة الى المجلس الجهوي الذي تم تركيزه يوم 3 جويلية 1989 .كما شهدت احداث عدة ادارات و مندوبيات مثل الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية و الادارة الجهوية لاملاك الدولة والمندوبية الجهوية للثقافة و الشباب و الرياضة و التعليم و البريد و الموصلات و الملاحظ ان هناك ادارات جهوية لم تتركز بالجهة الا في التسعينات رغم ان اوامر احداثها قد صدرت منذ الثمانينات (الادارة الجهوية للصحة- الادارة الجهوية للتجهيز)كما استفادت من احداث بعض الدواوين التي تهم اقليم الشمال الغربي مثل شركة التنمية و الاستثمار بالشمال الغربي (بسليانة) و ديوان تنمية المراعي و الغابات بالشمال الغربي (بباجة) اضافة الى الادارة الجهوية للبيئة (بباجة).

وقد كان لكل هذه الادارات وحدات محدودة من حيث عدد اعوانها و تفتقر لجل وسائل العمل و تعيش حالة من العزلة و العجز عن اداء وظائف, و هي حالة تشترك فيها كل ولايات الشمال الغربي.

وقد ادت الخيارات الامحورية الى خلق حركية ادارية جديدة و انتداب جملة من الاعوان و الفنيين من ابناء الجهة و تعيين مسؤولين في هذه القطاعات لهم خبرة في العمل الاداري و الفني و قدرة التواصل مع باقي المصالح الخارجية و ادارة الولاية و اطلاع على برامج وزاراتهم و التصورات الكبرى لاعادة تنظيم قطاعاتهم. و اضافة الى احداث المجلس الجهوي بجندوبة و احداث او اعادة هيكلة و تنظيم كل الادارات الدهوية , فقد تمتعت البلديات بهامش اكبر من الحرية اذ لم تخضع للاشراف المركزي,كما اصبح لها برامج استثمار بلدي يساهم صنوق القروض و مساعدة الجماعات المحلية في تمويله اضافة الى مشاريع تهذيب الاحياء الشعبية والتطهير … 

و السؤال ,هل ادت كل هذه الاجراءات الى تحسن في الاداء الاداري و تحقيق النتائج المرجوة؟

لقد تلقى المسؤولون الجهويون مثل غيرهم, القرارات الجديدة و لم يساهموا في اعداد تصوراتها او نصوصها التطبيقية و اصبحوا مدعويين بقوة القانون الى تنفيذها اليا دون وعي بالتصور العام اللذي دفع الى هذا التغيير. وقد عقد المجلس الجهوي بجندوبة منذ 1988 الى غاية 2010  , 124 دولرة عادية و دورتان استثنائيتان لمناقشة كل المسائل المتعلقة بالتنمية في  ولاية جندوبة و درس و ناقش ثم……. على ثلاثة مخططات خماسية تنموية, وهو يعبر عن ادارة من انتخبوا اعطائه و ينفذ سلطة القانون الذي جعل منه مؤسسة تتمتع بالاستقلالية عن مركز السلطة التنفذية 1 و مستندا على ادارة جهوية حديثة و لها قدرة اكبر على التشخيص و التخطيط و التقييم.

وقد بذل كل  هذا الجهة , منذ ارساء لامركزية التخطيط, تحت شعار “مزيد تشريك الجهات في اخذ القرار” غير ان اتخاذ القرارات الصائبة لفائدة الجهة كان يتطلب اولا امتلاك المعرفة بالمعطيات الاقتصادية و الاجتماعية جهويا ووطنيا و من ثمة القدرة على التشخيص و التخطيط ثم القدرة على الدفاع على ما يتم تخطيطه. الا ان تواصل الضعف الاداري في الاداء و الضعف الشخصي لاعضاء المجلس الجهوي و …….. المركزي احترام القوانين التي صاغها بنفسه , قد حالت كلها دون ارتفاع نسق الاداء  و سنستعرض دون اطالة بعض العوائق القانونية و الذاتية التي اعاقت عمل الادارة الجهوية (وسنعود لهذا بالتفصيل في الدراسة الميدانية) .

تخضع عملية اعداد المخططات الخماسية التنموية الى عدة معايير و من اهمها ان نسبة الاستثمار العمومي ترتبط بنسبة الاستثمار الخاص بالجهة(38% استثمار خاص , 62% استثمار عمومي), اي ان الدولة تستثمر في الجهة بقدر ما توفلر الجهة من استثمار خاص (وهو توجه من ا لدولة بدء تكريسه منذ المخطط التاسع)و حيث ان جهة مثل ولاية جندوبة ,هي جهة فلاحية و تفتقر الى البنى التحتية فانه لم يكن من السهل على المجلس الجهوي ان يتعهد ضمن وثيقة المخطط بجملة من الاستثمارات الخاصة تقدر بمعدل 900 مليار (لكل مخطط خماسي), و يفرض هذا الشرط على الادارة الفنية التي تتولى تقديم التشخيص و الاستشارة للمجلس الجهوي بالاكتفاء بسقف يحدد (اداريا) سلفا.

و حيث ان اعضاء المجلس يفتقدون التكوين و الخبرة الكافية بهذه المعايير و بتقنية اعداد المخططات اضافة الى انهم ينتمون الى الحزب او السلطة المركزية التي وضعت هذه المعايير فانهم لا يتسائلون حول شرعية هذه الخيارات و مدى تلائمها  مع ولاية جندوبة , و ابعد من ذلك فانهم يعبرون عن رضاهم و عن عزم السلطة المركزية انجاز مشاريع ذات اهمية بالجهة و لكنهم لا يسالون عن مالهم حين يتاخر انجازها.فقد اعلن رئيس المجلس الجهوي في الدورة العادية الثالثة للمجلس الجهوي سنة 1996 عن اعتزام الدولة انجاز سدود ………….. بقيمة 50 مليارا و ان هذا المشروع سيسمح بانجاز منطقة سقوية بالمنطقة, وتم الاعلان عن انجاز مركب سياحي بفج الاطلال بعين دراهم في الدورة العادية الرابعة للمجلس الجهوي سنة 1990 كما تم الاعلان عن تاسيس شركة سياحية اسمها شركة النزل و السياحة للشمال الغربي و صادق المجلس الجهوي (بالاجماع) على المساهمة في راس مالها (القرار المركزي) ومضت سنوات و لم ترى هذه المشاريع النور و لم تقر به في كل محاضر المداولات للمجلس الجهوي تساؤلا عن مال هذه المشاريع من طرف اعضاء مجلس النواب او رؤساء البلديات او غيرهم.كما تم الاعلان في الدورة الثالثة للمجلس الجهوي لسنة 2004 عن قبول البنوك تمويل 72 مشروعا استثماريا جهويا بقيمة 87 مليارا و عن 59 مشروعا اخر بقيمة 73 مليارا(الاعلان عنها في دورة استثنائية سنة 2009) و لم يتحقق انجاز هذه المشاريع و مع ذلك فان الاعضاء القارون بالمجلس الجهوي لم يسائلوا السيد رئيس الجهوي كما انهم لم يسائلوا الادارات المعنية.

اما بالنسبة للضعف الاداري فان مراجعة نسب تقدم المشاريع المبرمجة كافية للوقوف على حالة الضعف الجهوي,حيث معدل انجاز المشاريع الجهوية لا يتجاوز سنويا 50 %و تعود اسباب هذا الضعف في الاداء الى تواصل محدودية الاعوان الاداريين و الفنيين و تاخر فتح  الاعتمادات الخاصة بهذه المشاريع و تجنب المديرون الجهويون لاثارة هذه المواضيع مع رؤسائهم المركزيين تجنبا للتصادم معهم , و هذا يجرنا للحديث عن السبب الثالث (اضافة الى عدة  اسباب اخرى سنتعرف لها عند تحليلنا لنتائج الدراسة الميدانية) وهو  ……….. الادارة المركزية في الاستجابة لمقتضيات التنظيم الاداري الجديد .

لقد صمدت البيروقراطية المركزية و بشدة امام التنظيم الاداري الجديد و الذي سمحبهامش حرية الحركة امام الادارة الجهوية و قد اخذت عملية الرفض لخروج البعض من الصلاحيات المركزية اشكالا مختلفة تتمثل في اصدار المناشير و المذكرات الداخلية لتحديد شروط جديدة (سكتت عنها الاوامر و القوانين التي استعرضناها) امام ممارسة الولاة او المديرين الجهويين لبعض الصلاحيات او رفض مشاريع القرارات الجهوية او المشاريع او مشاريع الميزانيات السنوية بدعوى غياب الدقة و الانسجام مع الموازنة العامة للدولة وصولا الى تجميد بعض القرارت المتعلقة باحداث ادارات جديدة مثل الامر المتعلق باحداث ادارات جهوية للمعدل او الامر المتعلق باحداث لجان جهوية للاصلاح الاداري لمنع الادارة الجهوية من مجرد التفكير مع المركزية البيروقراطية في كيفية اصلاح او تسيير الادارة, لذ لم يتم بعث هذه اللجان اطلاقا.و للحد من فاعلية الامر عدد 457 الذي اعطى لوالي الجهة عدة صلاحيات جديدة مثل تراس اللجان الجهوية و البت في طلبات  الاستثمار و منح رخص الانتصاب و الاستثمار في الجهة و تغيير صبغة الاراضي من فلاحية الى صناعية قصد اعداد و تجهيز مناطق صناعية او منح لرخص لبعث مقاطع رخام او حجارة , فقد صدرت مناشير و عدة مراسلات تذكيرية للولاة من طرف الوزارات تدعوهم فيها الى اعدادالملفات الفنية و ممارسة  صلاحياتهم الجهوية بالبت فيها و لكن من خلال امضاء محضر جلسة فقط على ان يتم مد اللجان الوطنية القطاعية التي ستنظر في مدى مطابقة الملفات و القرارات للقانون و الاولويات الوطنية على ان تمض القرارات من طرف الوزراء حسب الاختصاص.و هكذا عادت المجالس الجهوية الى نقطة البداية اي قبل  صدور القانون الأساسي للجماعات و كل الأوامر اللاحقة له  و التي صدرت  لتوضح كل الصلاحيات الممنوحة للولاة و المجالس الجهوية.

و في المجال المالي فقد قامت الدولة ببعث برنامج جهوي للتنمية يلحق بالميزانية الذاتية للمجلس الجهوي (هيئة سنوية) لتمكين المجالس الجهوية من الاستجاية لبعض الطلبات الملحة للسكان مثل التنوير المنزلي و الماء الصالح للشراب و مد الطرقات القصيرة لفك العزلة عن التجمعات الريفية, غير ان قيمة هذا البرنامج لم تتطور منذ بداية التسعينات الى غاية سنة 2010 (12% من المبلغ الجملي للانفاق العمومي),اضافة لى ذلك فقد اضطر الولاة الى اعداد برنامج سنوي لصرف هذه الاعتمادات يتم عرضه على انضار الادارة العامة للتنمية الجهوية بوزارة التنميةقصد الحصول  على المصادقة و فتح الاعتمادات و كانت الاسباب المعلنة رسميا هو ترشيد عملية البرمجة(بما يعني عدم ثقة المركز بالجهات) امام الاسباب التي تذكر شفويا(كنت مسؤولا على اعداد هذه الملفات و على الدفاع عنها امام الادارات العامة للتنمية الجهوية بوزارة التنمية ووزارتي الداخلية و المالية) هذه الاسباب  هي التي منعت الولاة من استعمال هذه الاعتمادات في ارضاء اطراف جهوية دون اخرى “بعمل السياسة”.

كما ان منشور وزير الداخلية عدد 20 لسنة 2002 يسمح بنص صريح للرؤساء المجالس الجهوية بتحويل الاعتمادات و اعادة برمجتها, اي ان لرؤساء المجالس الجهوية الحق في تغيير اولويات الانجاز بالنسبة للبرنامج الجهوي للتنمية خلال السنة كما ا ناه الحق في استعمال فواضل الاعتمادات المفتوحة لانجاز مشاريع جهوية (طرقات , مدارس .. ) لتوظيفها في مشاريع جديدة بعد ان يعرضها على انظار المجلس الجهوي الذي اصبح  بمقتضى القوانين المشار اليها سيد نفسه فيما يخص التصرف في المشاريع الجهوية, غير ان الادارات العامة لم تقبل بذلك و اصدرت بعد مدة من صدور هذه القوانين , اصدرت مناشير تلزم رؤساء المجالس الجهوية على استشارة الوزارات حول كيفية استعمال هذه الفواضل و احكمت قبضتها على الجهات من خلال ممثل الوزارة الاولى في الجهة وهو مراقب المصاريف العمومية الذي صار يرفض التاثير على استخدام تلك الفواضل و يشترط  مراسلة من الوزارة المعنية بالنفقة تفيد موافقتها على مقترح المجلس الجهوي, نضيف اخيرا(تجنبا للاطالة) ان الميزانيات الذاتية للجالس الجهوية و المجالس البلدية تتكون في جزء منها من المال المشترك اي من الخزينة العامة و قد تم ربط هذه المساهمة من الدولة في ميزانية الجماعات العمومية المحلية, اولا بعدد سكان الجماعة المحلية و ثانية بمدى قدرة البلدية او المجلس الجهوي على استخلاص الجباية المحلية, و بما ان القسط الاكبر من الجباية المحلية يتاتى اساسا من المعلوم الذي يوظف على المؤسسات الصناعية و السياحية و المساحات التجارية او الخدماتية الكبرى فان الولايات و البلديات ذات الصبغة الريفية و الفلاحية لا تجد ما نستخلصه, فتعاقب على ذلك بالحط من مساهمة الدولة في ميزانيتها الذاتية  بدعوى دفعها الى مزيد الاجتهاد.ان ولاية جندوبة التس تشترك مع باقي الجهات في تحمل عبئ هذه العوائق الهيكلية و المالية و التشريعية و المؤسساتية, تعاني كذلك من نسبة تاطير متدنية في الهيكل الاداري و كذلك جميع البلديات و المعتمديات بالولاية  .

حيث ان نسبة هامة في عملة الادارة هم عملة حضائر, و هذا الصنف من العملة  هم فئة هشة , يتقاضون اجورا ضعيفة جدا و لا يتمتعون بالتغطية الاجتماعية .اما القيادة الادارية(الولاة و المديرون الجهويون) فقد عرفت بقلة الاستقرار حيث ان اغلبهم ينتمون الى مناطق من خارج اقليم الشمال الغربي و كثيرا ما تشدهم ارتباطاتهم العائلية و المهنية (تكوين –حضور ملتقبات) خارج الولاية و سرعان ما ينتقلون للعمل في مناطق اخرى , بينما تميز اعضاء مجلس النواب بالجهة بكثرة غياباتهم عن دورات المجلس الجهوي او تعطيل انعقادها الى حين حضورهم لكثرة ارتباطاتهم السياسية بالعاصمة و لم يلتزموا بفتح مكاتب في الجهة لعلاقات المواطنين مرة في الاسبوع للاطلاع على مشاغلهم و عندما  يحدث ان يعود احدهم الى الجهة فانه يستقبل البعض من المواطنين بمقر لجنة التنسيق للتجمع الدستوري الديمقراطي .و كان العديد من المواطنين لا يرغبون في الذهاب الى ذلك المقر فيتم حرمانهم من مقابلة نواب الجهة ,ان حصل وزار واحد منهم ولاية جندوبة .

كل هذه العوامل مجتمعة حولت العمل الاداري و التنموي بالجهة الى عمل ………… رتيب يتحرك على وقع الزيارات السياسية و المناسبات الوطنية و تحولت فيه دورات المجالس عن مباركتهم “لصانع التغيير “و يوافقون فيه بالاجماع على كل  ما يعرضهم على انظارهم من قرارات.

كما اننا لم نسجل و لو في دورة واحدة من دورات الجلس الجهوي المدونة ضمن محاضر مكتوبة, اثر جلسات المجالس المحليات للتنمية التي تعقد باستمرار في المعتمديات و كذلك المجالس القروية العشرة بالولاية, ولم تقع اية لجنة من لجان المجلس الجهوي القار في قطاع التجهيز او التربية او الصحة .. بالاطلاع على محتوى هذه الجلسات ورفع المطالب او  التحفظات (ان وجدت) الى المجلس الجهوي.

لقد تحول مسار الامركزية الذي تم ارساءه قصد تشجيع انبعاث الديمقراطية المحلية و دفع المواطن الى المشاركة في الفعل التنموي و اعطاء الجهات فرصة التدرب على الشراكة و اخذ القرار مع المركز, تحولت اذا كل هذه الاهداف المعلنة في الخطاب السياسي الوطني و ضمن كل الوثائق الرسمية (مخططات وثائق توجيهية, اوامر, قوانين ..) الى غايات شكلية لتصور انها عمقت ازمة الفعل التنموي في جهة جندوبة, خاصة و ان الادارات العامة في عدة وزارات اصبحت تنفصل عن مشاركة الجهة في انجاز المخططات و المشاريع بدعوى ان المجلس الجهوي سيد نفسه “و ان السادة الولاة لهم كل الصلاحيات لتصويب الاخطاء و الرفع من نسق العمل بالجهة ” .

و قد عرفت المجالس البلدية بولاية جندوبة مسار مماثلا اذ رغم البرامج  المحدثة لفائدتها فانها طلبت تعاني كثرة التاخير في الانجاز حيث مشاريع تهذيب الاحياء و التطهير و غيرها ثم اسنادها الى مؤسسات مركزية مثل وكالة التهذيب و لتجديد العمراني و الديوان الوطني للتطهير ووزارة البيئة و لم تكن اي من هذه المؤسسات ممثلة  بالجهة وهي تشرف على انجاز مشاريع مماثلة بكل البلديات وهو ما يتسبب في اطالة مدد الانجاز الى غاية تجاوز السقف الزمني لبرامج الاستثمار البلدي و غلاء الاسعار في الاثناء و في عديد الاحيان الى تراجع صندوق القروض عن الموافقات التي اصدرها لتمويل هذه المشاريع بسبب تاخر الدراسات او باقي اجرءات ابرام الصفقات, و ان البلديات غير مسؤولة عما يحدث و عادة ما تلتجئ الى والي الجهة الذي لا يفلح دائما في اقناع صندوق القروض بالعدول عن رفضه او اقناع وكالة التهذيب و التجديد العمراني بالاسراع في الانجاز 2.

و لم تفلح البلديات بولاية جندوبة في اقناع المواطن بسبب ضعف ادائها و رغم ان التوجه الامركزي استوجب عقد جلسات تمهيدية للدورات العادية للمجلس البلدي, و كان الهدف من الجلسات التمهيدية هو فتح باب المشاركة للسكان الحضريون حتى يتمكنوا من الاطلاع و ابداء الراي و المشاركة في النشاط البلدي ,رغم عقد هذه الجلسات اذا و الاعلان عنها عبر الاذاعة الجهوية بالكاف بواسطة المعلقات الحائطية, فان حضور المواطنين كان محدودا و لم يشكل نقلة في العمل البلدي و لا في ثقافة المواطن.

شكري تيساوي

متحصل على دكتوراه في علم اجتماع التنمية الجهوية واللامركزية من كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس دكتور شكري التيساوي، مختص في علم اجتماع التنمية والإدارة، باحث في مجالات التنمية والاقتصاد والإدارة، أستاذ بكلية العلوم القانونية والتصرف بجامعة جندوبة، عمل بوزارة التربية لمدة خمس سنوات ثم التحق بوزارة التخطيط والمالية لمدة سبع سنوات ومن ثمة التحق بوزارة الداخلية والتنمية المحلية لمدة 12 سنة ثم شغل خطة متفقد إداري ومالي بوزارة التربية منذ 8 سنوات