Skip to main content

توطئة

تتطرق هذه الورقة لمؤسسة المجلس البلدي والمجلس الجهوي كما اقترحها مشروع القانون الحالي ( قانون أساسي عدد 29) لجماعات المحلية وعلاقتهما بالمخططات التنموية وتأمين الصلاحيات القانونية والترتيبيةالتي منحها لهما القانون، وغياب علاقة الترابط بين البلدية والمجلس الجهوي في ظل ظهور جُملة من المؤسسات التنفيذية والرقابية والتنسيقية ومواطن الخلل فيها .

وقد اخترنا أن لانتطرق لموضوع التمويل العمومي وما يطرحه من حلول تعتمد آليات التسوية والتعديل كما نص عليها مشروع القانون الحالي للجماعات اعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي الوارد بدستور 2014 بما يتضمنه هذا القانون من هنّات، لأننا نعتقد أن هذه النواقص لايجب أن تُعيق الذهاب نحو تنظيم لامركزي جديد يمكن أن يضمن الحد الأدنى من حرية التدبير والفعل الجهوي مع العمل علىتوفير شروطه ولو على مراحل ،وكذلك لأن الحديث سيطول في هذا الجانب وسيَطغى على عملية تعـريف أدوار المجالس المُنتخبة بلديا وجهويا و مواطن الخلل فيها ،وهو في رأينا الأمر الأهم لأنه سيُحدد هندسة الإدارة الجهوية وفعلها المستقبلي هيكليا ووظيفيا و لو تم العمل بالتصور الحالي فإنه سيصعب في المدى القريب أو المتوسط إصلاحه . وهو ما سيتسبب في هدر دهرا من الزمن لن تستطيع البلاد تحمل تبعاته . 

التنظيم اللامركزي في قانون الجماعات المحلية (17 ماي 2017 )

فلسفة البعد الجهوي والمحلي :

إن أهم استنتاج يحصل لدينا عند دراسة الباب السابع من دستور 2014 وخاصة من مشروع مجلة الجماعات العمومية المحلية هو القفز على المؤسسات الجهوية وتغليب البعد المحلي، من خلال إسناد جل الصلاحيات الإدارية للبلديات كنتيجة حتمية لتغطية التراب التونسي بالنظام البلدي، في مجتمع لازال ريفيا بنسبة 65 %إضافة إلى غياب المعرفة لدى عامته مثل نخبته بالعمل الإداري وإدارة العملية التنموية وتركه للأمر بيد الإدارة المركزية و مؤسسة الواليمنذ 1956.

فقد تقلص مجال نفوذ المجالس الجهوية ترابيا وديموغرافيا بمقتضى الأمر عدد 602 المؤرخ في 17 ماي 2016 و تقلصت معه الصلاحيات بجميع أصنافها ومستوياتها، تبعا لما يقترحه مشروع قانون الجماعات المحلية الجديد،في فترة تحتاج فيها الجهة إلى إفراز قيادات جهوية تكون قادرة عبر مراكمة التجربة على التشخيص والبرمجة والتنفيذ والمراقبة ومعاضدة المركز من خلال تحويل الجهة إلى فاعل اقتصادي واجتماعي يمارسه شراكة وطنية مسؤولية وواعية ويبتعد عن خطاب المظلومية ويطرح بدائل تعبر عن حاجات الواقع الجهوي بموضوعية.

أما الاستنتاجالآخر الهام والذي نستخلصه من قراءة المجلة فهو ضمور البعد التنموي الجهوي في التصور العام لواضعي هذا المشروع ولعل الفصل الأول من المجلة يلخص فلسفة هذا القانون الذي ” يهدف إلى ضبط القواعد المتعلقة بتنظيم هياكل السلطة المحلية وصلاحياتها وطرق تسييرها بما يحقق اللامركزية والديمقراطية  التشاركية في إطار وحدة وطنية”( الفصل عدد1 )فالغاية القصوى إذا، هي تحقيق الديمقراطية التشاركية وليس التنميةالاقتصادية أو البشرية ،وكأن ممارسة الديمقراطية التشاركية هي غاية في حد ذاتها .

ونعتقد أن من صاغ هذا الفصل قادته فلسفة تُعطي أهمية للعملية السياسية على حساب التنمية وقد تمت ترجمة هذه الفلسفة في كل الفصول اللاحقة التي أولت اهتماما خاصا بإدارة العملية السياسية على المستوى المحلي ووضعت لها ميكانيزمات ومؤسسات بيروقراطية متطورة في عناوينها ولكنها لم تُولي طبيعة المرحلة والنسق المجتمعي الراهن أيّ اهتمام، نافية دور القيادة البشرية وقدرتها على التفاعل مع طبيعة مجتمعنا الذي لازال يعاني من ظاهرة القبلية والجهوية، حيث لا يمكن فض المشاكل الناجمة عن تنازع المصالح بين المؤسسات باللجوء إلى المحاكم الإدارية أو الغرف الجهوية للمحاسبات ، وإنما لازال يحتاج إلى سلطة وتأثير القيادة الجهوية والمحلية، حيث يضل دور الفاعل السياسي مؤثرا بل ومطلوبا ضمن مجتمع لايملك ثقافة المؤسسات ويحتاج إلى فترة من الزمن لتمثل جملة المفاهيم الجديدة، وفي الأثناء لابد للعملية التنموية أن تتقدم دون عراقيل جديدة،ونرى أنه يتوجب حتما تنقيح الفصل الأول بالتنصيص على أن التنمية الجهوية هي أحد أهم أهداف التنظيم اللامركزي وهو ما سيؤثر حتما على فلسفة الصياغة العامة للمجلة. 

وقد سجلنا كذلك خلط واضح في استعمال مصطلحي “المحلي ” و”الجهوي “ضمن المشروع قانون الجماعات العمومية المحلية ومثال ذلك مضمون الفصلين 28 و 33 من المجلة و كذلك ضمن الجزء المتعلق بشرح الأسباب ومردُ ذلك في رأينا هو الاعتماد على الأدبيات الفرنسية التي اعتمدت مصطلح “المحلي ” منذ 1789 ولم يظهر عندهم مصلح الجهة بما يعنيه من مضامين واستتباعات قانونية إلا سنة 1956 ثم تأكد في أواخر القرن العشرين حيث تم بعث مجالس جهوية  تحمل اسم الجهة (قانون 5 جويلية لسنة 1972، الفصل عدد1)،فالمحلي في فرنسا ( البلدية ) هو الوحدة الأساسية التي تأسست على قاعدتها الجمهورية ولم يتم الالتجاء إلى الجهة كمصطلح وأداة مؤسساتية للتنسيق ( فقط) بين البلديات إلا في أواخر القرن العشرين، لذلك سمي المجلس الجهوي عندهم في الأصل “بالمجلس الجهوي للبلديات ” إذ لا وجود للجهة كمجال ترابي أو سكاني في فرنسا إلا بشكل هامشي، وبالتالي فإنه لا قيمة لهذا المستوى الإداري في الثقافة الفرنسية التي عرفت التطور الصناعي والاقتصادي والعمراني والثقافي مع مؤسسة البلدية، في حين استقر في وعي المواطن التونسي أن المجلس الجهوي هو قاطرة التنمية وستضل هذه القناعة راسخة في اللاوعي الجمعي إلى حين، وفي الأثناء نحن بحاجة للبحث عن أنجع السبل لتأطير وقيادة الرأي العام الجهوي عبر عملية فرز طبيعية للعناصر الأكثر قدرة على تشخيص الواقع الجهوي والتعبير عنه من خلال العمل والدربة ضمن المجالس الجهوية ، من أجل ضمان تنمية عادلة ومتوازنة بين الجهات ،خاصة في ضل شح الإمكانات المالية للدولة على المدى المتوسط وربما البعيد.ودون الإطالة في الخوض في هذا الباب لأن المجال لا يتسع له، نرى أنه لابد من توضيح مجال المصطلحين ضمن القانون الأساسي للمجلة  و الالتزام بالدقة في استعمالهما وعدم القفز على الجهوي نحو المحلي في صياغة الخطاب وإعداد التصورات على مستوى المجلة، وهو ما سنحاول إبرازه ، دون التشكيك في دستورية المشروع المقترح حيث أن الدستور الحالي يحتمل أكثر من اجتهاد في مجال اللامركزية وهذه المجلة هي واحدة من هذه القراءات ولكنها ليست حجة على أي اجتهاد آخر ما لم يخالف دستور 2014.

تعميم النظام البلدي

المجلس البلدي هو صنف من أصناف الجماعات العمومية المحلية وهو “يمارس الصلاحيات الذاتية التي تكتسي بعدا جهويا بحكم مجال تطبيقها” طبقا للفصل 18 من شروع مجلة الجماعات العمومية المحلية وتتمتع الجهة بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية (الفصل 288) مثل باقي الجماعات المحلية وهو يختص “مبدئيا بتصريف الشؤون البلدية والبت فيها (فصل 322) وهو يتولى “بوصفه مكلفا من طرف الدولة” بتنفيذ القوانين والتراتيب الجاري بها العمل بالبلدية والقيام بكل الوظائف التي يسندها  القانون لرئيسه” (الفصل 288) وهو مدعو بمقتضى الفصول 110و 160 و 164 لإعداد المخططات التنموية وأمثلة التهيئة العمرانية وعرضها على أمانة المال الجهوي التي يحق لها طلب توضيحات, ثم يتم تقديمها إلى المصالح المركزية قصد المصادقة عليها وفتح الإعتمادات المخصصة لتنفيذ البرامج، وهو يخضع للسلطة الرقابية لأمانة المال ومؤسسة الوالي بالجهة كما يخضع للسلطة الرقابة للمجلس الأعلى للجماعات والهيئة العليا للمالية المحلية والإدارة المركزية.

وقد تم في إطار تنفيذ من جاء بالفصلين 14 من دستور 2014, إصدار الأمر عدد 601 بتاريخ 17 ماي 2016 المتعلق بإحداث بلدياتجديدة والأمر عدد 602 بتاريخ 17ماي 2016، المتعلق بتعميم النظام البلدي،حيث اقتضى هذا الأمر  توسيع المجال الترابي للبلديات ليشمل التجمعات السكنية الريفية بالاعتماد على ثلاثة مؤشرات هامة وهي الكثافة الديموغرافية والمسافة الفاصلة بينها وبين مقر البلديةو طبيعة الطبوغرافية الجغرافية للمجال الترابي المعني. 

وقد أدى هذا الإجراء إلي الرفع من متوسط نسبة المجال البلدي إلي75% على مستوي وطني و تمثل الـ:25% المتبقية المناطق الصحراوية والغابية الغير المأهولة .

وبينما يُعد الأمر عدد 601 المتعلق بإحداث بلديات جديدة ضروريابالنظر للكثافة الديموغرافية للتجمعات السكنية المُستهدفة ولغياب الخدمات الجوارية والمرافق العمومية وتَعطّل العملية التنموية بهذه التجمعات السكانية فإن مبدأ تعميم النظام البلدي (طبقا للأمر عدد602) يطرح أكثر من إشكال على مستوى التنفيذ والمتابعة وتحقيق المردودية المُفترضة نظريا، إذ أن جلّ بلديات المُحدثة قبل سنة 2011 قد عجزت على تحسين البنية التحتية ضمن مجالها الترابي, وتجويد المرفق العام بسبب قلة الموارد المالية الذاتية والمُحالة من الدولة و كذلك بسبب ضعف الموارد البشرية وعدم تطوير النظام التشريعي المالي والإداري لصالح الجماعات المحلية لذلك نتساءل كيف لهذه البلديات أن تتحمل مسؤولية تجمعات سكانية جديدة يفصلها عن مركز البلدية متوسط مسافة 15كم و كذلك أودية و هضاب و جبال في مواقع متعددة،إذ يتحتم على هذه البلديات تقديم الخدمات الجوارية من تعبيد وترصيف وتنوير عمومي وإنشاء مناطق خضراء ورفع الفضلات,إضافة إلى العناية بالمرافق العمومية الموجودة والعمل على توفير المرافق والخدمات  الإدارية الغير متوفرة (أنظر الفصول عدد: 13و16و17و232 من مشروع مجلة الجماعات المحلية).

 و لانرى كيف يمكن للبلديات الحالية بصفتها الجديدة أن تُشرف على المشاريع القطاعية الجهوية(تصّورا وتنفيذا و متابعة) في ظل غياب العنصر البشري وعدم توفر الخبرة الكافية للمصالح الفنية بالبلديات للتعامل مع هذا الصنف من المشاريع (أو على الأقل لجزء هام منه) والذي كانت تشرف على إنجازه مصالح المجلس الجهوي وراكمت في شأنه خبرات بشرية هامة لا يمكن في اللحظة الراهنة الاستغناء عنها رغم النقائص المسجلة في شأنها(أنضر الفصل عدد 16 من المجلة).

وهل يمكن لهذه البلديات أن تصمد فيوجه مظاهر التوتر الاجتماعي الذي سَينتج حتما بسبب مُطالبة سكان التجمعات السكانية الريفية بحقهم في الخدمات البلدية كما ينص عليه الفصل 232 من المجلة,إذ في انتظار أن تتعزز الموارد الذاتية للجماعات المحلية كما ينص على ذلك الفصل عدد 8 و عدد 124 من مشروع المجلة (و هو أمر شبه مستحيل بالنسبة للبلديات ذات الطابع لفلاحي) وكذلك تطوير الموارد المُحالة من الدولة (أنظر فصل 101 و 139 من المجلة)لإنجازالمرافق العمومية والبني التحتية,فإن طبيعة المرحلة ستفرض على البلديات صراعا حادا مع سكانها بحكم عجزها المتوقع على تلبية حاجاتهمالشرعية بحكم النص القانوني.

 وإننا وإن كنا نؤمن بهذا الحق, وأكثر من ذلك، إذ نرى أنه لا تنمية جهوية بدون تطوير الفضاء الريفي,فإن أسلوب معالجته سيخلق تعقيدات إدارية جديدة, ستزيد من تأزم الوضع التنموي في الجهات وتعطيل نسق الإصلاح المطلوب, إذ سيتشتت جهدالإدارات والمصالح الفنية، على قلة مواردها البشرية، في معالجة كل الملفات التنموية والاجتماعية وغيرها على مستوى محلي بعد أن كانت في الجانب الأهم منها تعالج على مستوى جهوي, وهو ما سيتسيب في إهدار الوقت و الطاقة و ربما استحالة التوفيق (بشريا) في الاستجابة إلي طلبات البلديات وهو ما يعني تعطيل نسق الانجاز و إرهاق الإدارة الجهوية و خلق حالة من التوتر الإداري الدائمة و انقطاع التواصل بين مختلف المتدخلين.

الجماعات المحلية  والعمل التنموي

غياب العلاقة العضوية بين المجالس المحلية بالجهة :

إن أهم ما يميز هذا الباب من قانون الجماعات العمومية المحلية هو غياب الرؤية والتصور المتكامل للمشروع التنموي الجهوي الذي يفترض فيه أن يكون الرافعة المستقبلية لمنوال تنموي وطني جامع، يعتمد على مبدأ التوازن بين الجهات مع مراعاة الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والثقافية , حيث نلمس من خلال دراسة كامل فصول المجلة غياب الآليات القانونية والمؤسسات الضامنة للعمل المشترك بين الجماعات المحلية في الجهة الواحدة، والاستعاضة عن ذلك بإقرار مبدأ التعاون والتضامن والتنسيق الإداري  أي الغير ملزم للبلديات كما تبينه كل الفصول المتعلقة بباب العمل التنموي كما ورد بالفصول عدد: 10 و11 و19 و20 و 22 و 42 و 45 و 110 و 269 و 270 و 272 و 274 و293 ،إذ تكررت عبارة “يمكن للجماعات” في صياغة أغلب الفصول. 

فقد خص مشروع القانون الجماعة المحلية بكل الصلاحيات الترتيبية الأصلية والمفوضة لها من المركـز وأكد ضمن الفصل العاشر أن قيام أية مصلحة أو جماعة مقام جماعة أخرى لإنجاز أشغال معينة ناتجة عن تفويضات أو اتفاقيات, “لا ينتج عنه ممارسة إشراف مهما كان نوعه”, أي أن قاعدة العمل التنموي ومنطلقه هي البلدية ذات السيادة على مجالها الترابي.

 وقد اقتصرمشروع قانون الجماعات المحلية ،العمل بين الجماعات المحلية على إحداث بعض الآليات والمؤسسات البلدية لإنجاز الوظائف التنموية مثل إحداث الوكالات الاقتصادية (فصل عدد 75) والشركات العمومية المحلية لاستغلال المرافق العامة ذات الصبغة الصناعية أو التجارية (فصل عدد 99) وإحداث مجامع الخدمات بين الجماعات المحلية (فصل عدد 285 ) ويمكن للبلدياتأن تنسحب من الشركات العمومية المشتركة أو مجامع الخدمات إذا لم تجد مصلحة في ذلك.

وتعود السلطة الرقابية على الجماعات المحلية و المؤسسات في ما يتعلق بجدوى عملها وقانونيته إلى مؤسسة الوالي وأمين المال الجهوي والسلطة المركزية دون المرور عبر مؤسسة المجلس الجهوي, الذي أحدثت به طبقا لنفس القانون  “لجنة جهوية للتعاون بين البلديات” طبقا للفصل 270 غير أن اللجنة المذكورة ليست لها أية سلطة تقريرية.

وبناءا على ما تقدم يقتضي قانون الجماعات المحلية، إنجاز المخططات التنموية (بما في ذلك المخطط الذي يُعده المجلس الجهوي) على مستوى محلي ويتم عرضه على أمانة المال الجهوي ووالي الجهة طبقا للفصل 102 و 103 ثم يوجه إلى الإدارة المركزية قصد المصادقة ، كما تنجز الجهات والأقاليم أمثلة التهيئة العمرانية بالتنسيق مع المصالح المركـزية طبقا للفصل 109 و تنجز الجهات والأقاليم أمثلتها العمرانية بالتنسيق مع المصالح المركزية كذلك ، طبقا للفصل 110 وحيث أن هذه أمثلة التهيئة العمرانية  تخضع لمبدأ الهـرمية  (فصل عدد 111) فإن المصالح المركزية تتولى في مرحلة لاحقة التنسيق وجوبا مع المجالس الجهوية والإقليمية (فصل 110) قبل المصادقة على المشاريع المعروضة .

وما يفهم موضوعيا مما تقدم أن عملية إعداد المخططات التنموية وأمثلة التهيئة العمرانية أصبحت  تعتمد على حلقتيـن رئيسيتين بل ومُحددتان, وهما المجلس البلدي والسلطة المركزية, حيث تم إخضاع عمليات التحكيم والمقاربة بين البلديات (في ما بينها) وبين الأخيرة والمجالس الجهوية والمجالس الإقليمية إلى سلطة المركز, حيث ينص الفصل 110 على وجوبية استشارة الإدارة المركزية للجهات والأقاليم, أي أن الإدارة المركزية هي التي تستقبل مشاريع المخططات وأمثلة التهيئة العمرانية من الجماعات (كل حد على حده) ثم تقوم بدارستها والمصادقة عليها بعد استشارة الجهات والأقاليم, علما أن الاستشارة لا تلزم من يقوم بها.

المؤسسات المتدخلة في عمل المجالس المحلية :

يقترح مشروع مجلة الجماعات العمومية المحلية، هندسة جديدة، للعمل البلدي تنبني على مجموعة من مؤسسات الإشراف والرقابة أهمها  المجلس الإقليمي والمجلس الأعلى للجماعات والهيئة العليا للمالية المحلية على المستوى الإقليمي والوطني وكذلك على الغرفة الجهوية لدائرة المحاسبات والإدارة الجهوية للمحكمة الإدارية وأمانة المال الجهويووالي الجهة في صيغته الجديدة (اللامحورية)، ويُعد إحداث هذه المؤسسات عموما خطوة ايجابية لدعم اللامركزية في الجهات لو لم يقع التخلي عن الجهة (ممثلة في مجلسها الجهوي) كحلقة ربط بين المحلي والإقليمي و الوطني حيث سيتحتم على البلديات أن تعالج ملفاتها الإدارية والتنموية مع المؤسسات المذكورة باستقلالية تامة عن باقي بلديات الجهة ،على الرغم من أنه ما عدى بعض الملفات التقنية  الخاصة بكل بلدية على حده فإن أغلب ملفات التنمية والعمل الإداري والتصرف المالي والتخطيط العمراني والعناية بالبعد البيئي هي ملفات مُشتركة كلها أو في جزء هام منها بين بعض أو كل بلديات الجهة الواحدة، وهو ما سينجر عنه موضوعيا تنازع مصالح بين البلديات حول تسيير المرافق العمومية أو استغلالها، إضافة إلى ما سيبرز من مشاكل تخص تحديد طبيعة المشاريع التنموية وضبط الأولويات بين البلديات ورزنامة تنفيذها، وبالرغم من أيماننا المبدئي بكفاءة مؤسسات دائرة المحاسبات والمحكمة الإدارية وأمانة المال فإن طبيعة الخلافات والمشاكل التي ستثار لن تحسم بالرجوع للنصوص القانونية (الغائبة حاليا) بقدر ما يحتاج حلها إلى قيادة جهوية تعتمد التفاعل الجماعي ضمن مؤسسة جهوية تستمد شرعيتها وقوتها من السلطات المفوضة إليها ولقوة القيادة  الجهوية ممثلة في المجلس الجهوي (الذي يتوجب دعم دوره الجهوي) بما يتوفر له من كوادر وخبرات، وقوة إشعاع تمكنه من التصدي لهذه المشكلات وحسمها في آجال سريعة بينما ستضطر المؤسسات القضائية المعنية إلى تطبيق آجال التقاضي والطعن في الأحكام والاستئناف علاوة على إمكانية عدم انصياع المجالس البلدية لأحكامها مُحتمية بشرعيتها الانتخابية، أما بالنسبة لمؤسسة الوالي وهي مؤسسة لامحورية تمثل الدولة في جهتها فإنها تلعب كذلك، دورا رقابيا على الجماعات العمومية المحلية وهي الجهة التي يمكنها أن تثير الدعوى أمام الأجهزة الرقابية المذكورة أو الاعتراض على بعض المشاريع إضافة إلى مراقبة قانونية التصرف الإداري والمالي للجماعات، ومن المرجح موضوعيا أن تكون هذه المؤسسة ضعيفة أولا بحكم انفصالها عن الممارسة الميدانية وثانيا بحكم ضعف الصلاحيات المسندة إليها إذ أنها تكتفي بإثارة الدعاوي وتقديم الاعتراضات سواء أمام أمانة المال الجهوي أو المجلس الأعلى للجماعات أو الحكومة المركزية ولكنها لا تملك سلطة القرار.

و يضاف إلى كل هذه العوائق القائمة موضوعيا، طبيعة المرحلة التي تعيشها تونس، التي تتميز بالرغبة الجامحة لدى الأفراد والمجموعات في الإفلات من قبضة  المركز وكل ما يمثله،وتمسكهم بإنفاذ إراداتهم من خلال المؤسسات المُنتخبة ومنظمات المجتمع المدني وهي ظاهرة اجتماعية لا يُنتظر أن تخمد في الأمد المتوسط أو البعيد بفعل توفر الشروط الموضوعية لممارسة هذه الإدارات (ولو بجموح أحيانا) بفضل ما وفره دستور سنة 2014 من ضمانات دستورية للحريات الفردية والجماعية علاوة على مبدأ حرية التدبير للجماعات العمومية.

 لكل هذه الأسباب نعتقد أن مؤسسة الوالي ،وهي واحدة من المؤسسات اللامحورية الجهوية التي سيتم إحداثها،ستكون مؤسسة ضعيفة أمام الجماعات العمومية بكل أصنافها وستتحول إلى عبء على الإدارة الجهوية بحكم افتقادها لدور حقيقي يمكن أن تؤديه ،وهي في النهاية تكرار لتجربة فرنسية ابتدأت منذ سنة 1800م لما كانت البلديات حديثة العهد وكانت المؤسسات اللامحورية بتلك المناطق تخطو خطواتها الأولى في ظل غياب المجالس الجهوية (التي ستُحدث بعد ذلك التاريخ بـ 172 سنة )فكانت الحاجة لابتداع آلية تنسيق ورقابة تمثل الدولة وتسهر على انسجام العمل بين المجالس البلدية وكذلك الإدارات اللامحورية والأمنية وهي مؤسسة الوالي .  

وتنسحب هذه المنهجية في إعداد وإقرار أمثلة التهيئة العمرانية على برامج الاستثمار البلدي (فصل 156) والمخططات والبرامج التنموية وكذلك البرامج الخصوصية مثل البـرنامج الجهوي للتنمية (فصل 172) وبـرنامج الحضائر الجهوية ومشاريع تهيئة وتهذيب الأحياء, حيث يتم إعداد المخططات والبرامج من قبل مجالس الجماعات المنتخبة دون أن تكون هناك آلية مُلزمة لكل المجالس البلدية داخل الجهة الواحدة قصد توحيد التصور ثم تتم مراجعة هذه المخططات والبرامج من قبل أمانة المال الجهوي ومؤسسة الوالي وهي مؤسسات قطاعية لا تمتلك قواعد البيانات والخبرة الضرورية بالجهة لفرض مبدأ الانسجام والتكامل بين بلدياتها ثم يتم رفع هذه المخططات والبرامج إلى الإدارة المركزية التي تعمل على استشارة المجالس المجالس الإقليمية والمجلس الأعلى للجماعات التي لا تمتلك بدورها نفس الشروط المذكورة آنفا وبالتالي فإنها لا تمتلك القدرة على الاعتراض أو تقديم الإضافات لينحصر الأمر موضوعيا بين البلديات و الإدارة المركزية, فنُعيد بذلك رسم تجربة دامت ستون سنة قي تونس, آلت فيها الهيمنة دائما للمركز على حساب الجهات و خاصة الجهات الضعيفة ماديا و بشريا و أنتجت كل أسباب التفاوت الجهوي في ظل إرادة سياسية تسعى إلى إدارة البلادة البلاد بأقل كلفة ممكنة، فأنتجت لوبيات إدارية مركزية تحذق التلاعب بالثغرات القانونيةو استغلال ضعف الإدارة الجهوية لتعلن أن كل ما ينجز يجب أن ينبني على الشراكة مع الجهات، بينما يعتمد المركز على تعقيد البناء الإداري البيروقراطي و مسالكه الملتوية ليُعيد الأمر إليه مهما كانت قدرة الجهة على تشخيص وضعها التنموي أو على تقديم الحلول المبنية على تصورات موضوعية استجابة للمشكلات الحقيقية لواقعها ،وبعد طول هذه التجربة السلبية وما راكمته المجالس الجهوية من خبرة مريرة في معرفة واقعها وتشخيص مشكلاته والبحث عن إجابات معقدة لأسئلة أكثر تعقيدا كان يطرحها المركز, قصد افتكاك القليل المُمكن مما كانت تحتاجه الجهات, يبدو أن مشروع قانون الجماعات المحلية الحالي يسعى إلى إعادة هذه التجربة مع المجالس البلدية من خلال القفز على حلقة المجالس الجهوية (التي أصبحت قادرة ولو نسينا على التصدي لمشكلاتها التنموية) والتعامل مع المجالس البلدية التي تفتقر للعنصر البشري والخبرة في تشخيص الواقع التنموي وخاصة في ظل تعميم النظام البلدي إضافة إلى عدم تعود البلديات على العمل مباشرة مع الإدارة المركزية حيث كانت كل البلديات ( ما عدى عواصم البلديات) تخضع لإشراف الولاة ويشرف على عملها الكتاب العامون للولايات ودوائر البلديات التي كانت ولا زالت توفر التأطير (ولو نسينا) والإسناد المعرفي والإداري للمجلس البلدية  مُعوضة بذلك عن النقص الحاصل في العنصر البشري والمعرفي لبلديات الجهة،غير مشروع القانون الحالي يسمح بما وضعه من تصور للعمل الإداري على المستوى المحلي والجهوي ، بإعادة تلك التجربة الصعبة وإعاقة التطور الطبيعي للتنمية في الجهات ، ويُظهر الجدولين التاليين غياب المجلس الجهوي في إعداد التصورات والبرامج  التنموية والإدارية بالبلديات وكذلك عن مراقبتها  :

المؤسسات المتدخلة في إعداد المخططات والميزانيات وأمثلة التهيئة العمرانية 

المؤسسات التي تقوم بالعمليات الرقابية

المجلس الجهوي والعملية التنموية في الجهة

المجلس الجهوي هو صنف من أصناف الجماعات العمومية المحلية وهو “يمارس الصلاحيات الذاتية التي تكتسي بعدا جهويا بحكم مجال تطبيقها” طبقا للفصل 18 من شروع مجلة الجماعات العمومية المحلية وتتمتع الجهة بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية (الفصل 288) مثل باقي الجماعات المحلية وهو يختص “مبدئيا بتصريف الشؤون الجهوية والبت فيها (فصل 322) وهو يتولى “بوصفه مكلفا من طرف الدولة” بتنفيذ القوانين والتراتيب الجاري بها العمل بالجهة والقيام بكل الوظائف التي يسندها  القانون لرئيس الجهة” (الفصل 288)وهو مدعو بمقتضى الفصول 110و 160 و 164لإعداد المخططات التنموية وأمثلة التهيئة العمرانية وعرضها على أمانة المال الجهوي التي يحق لها طلب توضيحات, ثم يتم تقديمها إلى المصالح المركزية قصد المصادقة عليها وفتح الإعتمادات المخصصة لتنفيذ البرامج،وهو يخضع للسلطة الرقابية لأمانة المال ومؤسسة الوالي بالجهة كما يخضع للسلطة الرقابة للمجلس الأعلى للجماعات والهيئة العليا للمالية المحلية والإدارة المركزية.

وتنبني علاقة المجلس الجهوي كجماعة عمومية محلية مع بلديات الجهة على قاعدة التعاون والتنسيق المشترك على معنى الفصول 269 و 272 و 274 التي تتيح للجماعات المحلية البحث عن سبل للتعاون البيني الإداري  حيث أقر قانون الجماعات في الفصل عدد 270 ” إحداث لجنة جهوية للتعاون بين البلديات”  تنظر في سبل وآليات التعاون والتنسيق ولكنها لا تملك سلطة تقريرية علاوة على أنها آلية تعمل ضمن المجلس الجهوي الذي لا يملك سلطة الإشراف على باقي الجماعات المحلية.

وما نستخلصه هو أن مشروع قانون الجماعات المحلية قد سَوّى بين المجلس الجهوي والمجالس البلدية, واقتصر العلاقة بينهما على البحث في سبل التعاون والتنسيق الإداري, حيث افتقدت كل الفصول المتعلقة بالتعاون والتنسيق بين الجماعات المحلية للصبغة الإلزامية وتم الاكتفاء بإحداث لجنة جهوية للتعاون بين البلديات وهي لجنة غير فاعلة حيث أنها لا تتمتع بالصبغة التقريرية (الفصل 304) ولو افترضنا أن هذه اللجنة لاحظت اختلالات في العمل أو سوء تنسيق بين البلديات فهي ستكتفي بإدراج المسألة ضمن برنامج عمل المجلس الجهوي وتطالب بالمصادقة على بعض قرارات التعديل أو التصحيح لما سجلته من نقائص في عمل الجماعات المحلية  ضمن محاضر المداولات المجلس الجهوي , غير أن مجلس الجهة لا يمتلك سلطة الإشراف على باقي المجالس البلدية (الفصل 10 و 11  و 17) وبالتالي فإن عمل هذه اللجنة لن يتجاوز سقف العلم بالشيء أو التحادث فيه بالنسبة لباقي الجماعات.

وحيث أن حضور رؤساء المجالس البلدية قد تراجع من صفة عضو قار له حق التصويت بالمجلس الجهوي إلى صفة ملاحظ (الفصل 310) كما دعا مشروع القانون ممثلي المجلس الجهوي إلى حضور جلسات المجالس البلدية بصفة ملاحظ (الفصل 208), ليتم بذلك تقطيع أوصال العلاقة المؤسساتية بين المجلس الجهوي وباقي المجالس البلدية والتي كان يُفترض أن تتعزز من خلال بناء مُؤسَسي ديمقراطي يرتكز على قوانين مُلزمة للجميع من أجل الحفاظ على وحدة التصور والإنجاز وتجنب الارتجال والمبادرات الفردية وتنازع المصالح في ظل مناخ ديمقراطي مفتوح سيؤدي حتما إلى تصادم الجماعات والتجائها إلى مؤسسات التحكيم والقضاء الإداري وتعطيل نسق التنمية وخلق مناخ من التوتر الاجتماعي قد يحكم على تجربة التنظيم اللامركزي  بالانتكاسة وظهور الجهة بمظهر العاجز على إدارة الشأن الجهوي.

كما نص مشروع قانون الجماعات المحلية ضمن الفصل عدد 322 على تخصص المجلس الجهوي بالتصرف في الشؤون الجهوية والبت فيها والسؤالهو ، ما هو  التحديد الدقيق للشأن أو المرفق الجهوي في ظل إشراف البلديات على معدل 75℅ من التراب التونسي طبقا للتنظيم الترابي الجديد, إذ ما هو الجهوي في المجال التربوي والتعليم العالي والصحة العمومية، وفي قطاع الفلاحة والصناعة وفي مجال الطرقات والشؤون الاجتماعية, فهل سيتم اعتماد التقسيم الترابي أو تصنيف المشاريع حسب طبيعة استخدامها ،وما تأثير ذلك على طبيعة عمل الإدارة الجهوية وتركيبتها وتوزيع مجالات التدخل بين مختلف الوزارات وعلاقاتها بالمجالس البلدية والمجلس الجهوي, في ظل تعميم النظام البلدي(انظر الفصول 289 و 291 و 322 و 328).

كما خص الفصل 323 رئيس المجلس الجهوي بسلطة الإشراف على الإدارة الجهوية, ولكنه لم يُحدد بالضبط المعنى الدقيق لمصطلح الإشراف ، إذ هل لرئيس المجلس الجهوي حق التدخل مستقبلا في اختيار الإطارات السامية التي ستعمل بجهته, وفي نقلتها وترقيتها، وهل ستتوفر لرئيس المجلس الجهوي صلاحية توفير ظروف وإمكانيات العمل اللازمة (للإدارة)لإنجاح العملية التنموية، وكذلك صلاحية العقاب الإداري إخضاع عملية التصرف في العنصر البشري بهذه الإدارات والمصالح بالنقلة (حسب ما تقتضيه خاصية الجهة) وبتمكينهم من التكوين والتنفيل في الترقيات, خاصة في المناطق الداخلية؟

وبالعودة إلى علاقة المجلس الجهوي بالبلديات والجهة عموما فقصد نص الفصل 289 على أن المجلس الجهوي يتولى تسيير مختلف الخدمات والتجهيزات العمومية ومسالك التوزيع والبيئة والثقافة والرياضة والشباب والمسنين والمؤسسات والجمعيات المنتصبة بها وخاصة وضع مخططات لدفع التنمية بالجهة, وهنا نتسائل عن  مَعنى المصطلح“لدفع التنمية”, هل هي مخططات جهوية فعلية أم مخططات للبحث عن أفكار وتصورات مرجعية لمساعدة الجهة بكل مكوناتها على إعداد برامجها التنموية،وكيف له أن يفرضها على باقي الجماعات المحلية في ضل فقدانه لسلطة الإشراف عليها، وإذا افترضنا (لأننا لم نجد إجابة واضحة ضمن نصوص المجلة) أن الفصل 289 يتحدث عن مخططات جهوية وبلدية للتنمية فإن قانون الجماعات المحلية لم يضع آليات تنفيذية بين مجالس البلديات والمجلس الجهوي لإعداد عمليات التشخيص والتصور وقد لاحظنا سابقا أن حضور رؤساء البلديات بجلسات المجلس الجهوي يقتصر على دور الملاحظ وبالتالي فإننا نستخلص أن المجلس الجهوي لا يتولى إعداد المخططات التنموية الشاملة لكل الشأن الجهوي بما في ذلك مخططات الاستثمار البلدي ويكتفي بدوره كجماعة عمومية محلية تعد مخططاتها الخاصة بها وتقدمها للإدارة المركزية بمعزل عن  بلديات الجهة.

ويبدوأن واضعي مشروع قانون الجماعات العمومية المحلية واعون بمواطن الضعف ضمن هذا القانونبالنظر إلى وضعية البلديات في تونس وكذلك بطبيعة المرحلة التاريخية بما تراكم فيها من مظاهر الضعف البشري والمادي وخاصة في الجهات الضعيفة والتي لن تشهد تغييرا نوعيا في المدى المتوسط وربما البعيد، لذلك سعوا إلى وضع جملة من الفصول التي تفتح الباب أمام أكثر من قراءة ولكنها تهدف في مجملها إلى السماح لجماعات أخرى أو مؤسسات لا محورية بالحلول محل البلديات التي تعجز عن أداء مهما، وهو ما قد يفضي بالنهاية إلىالانقلاب التام عن مضمون المجلة, حيث ذهب واضعوا القانون قبل  تحديد الصلاحيات والمهام ومجالات التدخل لكل صنف من أصناف الجماعات المحلية إلى القول الفصل عدد 11 على أنه “يمكن لجماعة محلية أن تُكلف جماعة أخرى… ممارسة اختصاصات مُحددة تعود لها أصلا، على أن تتم ممارسة الاختصاصات المعنية باسم الجماعة المحلية التي أسندت التكليف ” وإذا ما سلمنا أن أقدر الجماعات على مساعدة جماعة عمومية محلية أخرى هو المجلس الجهوي فإن ذلك يعني أن هذا الفصل يفتح الباب أمام عودة المجلس الجهوي ليحل محل البلدية دون أن تتم الإشارة له بصريح النص، خاصة إذا ما سلمنا أن المجالس البلدية المُنتخبة لا يمكن أن تقبل أن يحل محلها مجلس بلدي مُجاور بحكم النديّة والتنافس الطبيعي بين البلديات , أما بالنسبة للإدارات العمومية فهي تؤمن أدوارها طبقا للقانون ولا يمكن لها أن تحل محل  المجلس البلدي الذي لا يمكن له أن يفوض لها جزءا من صلاحياته التي يختص بها ما عدى إنجاز مشاريع البُنى التحتية.

 وينص الفصل عدد 140 على أنه ” يتعين أن تكون الموارد المحالة للجماعات المحلية متناسبة مع الأعباء التي تترتب عن تحويل الاختصاصات أو توسعتها ” أي أنه لا مفر  من أمران، فإما أن تكون للبلدية المعنية بإنجاز مشاريع هامة جديدة ،الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة (أو أن يتم تمكينها من هذه الإمكانيات) وإلا فإنه لا مفر إما من حرمانها من هذه الصلاحيات والمشاريع أو تحويلها إلى الجهات أو الجماعات التي تتوفر فيها هذه الشروط فنعود بذلك إلى المجلس الجهوي حفاظا على حق الجهة الدستوري في ممارسة الصلاحيات أوإنجاز المشاريع التنموية,  في انتظار أن تتكفل الدولة تدريجيا وبواسطة قوانين المالية من تطوير قدرات الجماعات المالية و البشرية عبـر عملية التدرج المنصوص عليها بالفصل عدد 124 من المجلة ،فإذا كان الهدف من سن الفصل عدد 140 والفصول الأخرى هو دعم أو تعويض البلديات بالمجلس الجهوي في ما سيُطرح عليها من برامج ومهام جديدة ،فلماذا لا يتم التعامل مع المرحلة بما تفرضه من خصوصيات وطنيةتاريخية واجتماعية وهندسة العمل الجهوي انطلاقا من المجلس الجهوي مع العمل على تطوير قدرات البلديات القديمة والمحدثة ؟  

كماينص الفصل عدد 14 على أنه ” يتم توزيع الصلاحيات المشتركة والمنقولة من السلطة المركزية بين مختلف أصناف الجماعات على أساس مبدأ التفريع وتعود لكل صنف من الجماعات المحلية الصلاحيات التي تكون هي الأجدر بممارستها بحكم قربها من المتساكنين وقدرتها على الأداء الأفضل للمصالح المحلية”, ونلفت الانتباه هنا, أن هذا الفصل يفتح الباب أمام كل التأويلات المُمكنة ويمكنه أن يقلب كل مشروع قانون الجماعات المحلية رأسا على عقب, إذ ما معنى”الأجدر”,  و كيف يمكن أن يُحدد مفهوم الجدارة ومن يحددهوطبقا لأية معايير كمية أو نوعية، هل هو المجلس البلدي الذي يحدد هذا المعيار ،أم المجلس الإقليمي أم المجلس الأعلى للجماعات أم الإدارة المركزية, وطبقا لأية مقاييس , فإذا ما اعتبرنا عامل القرب معيارا لجدارة التدخل، يمكن أن ينتفي معه عامل الخبرة والقدرة المادية والعكس صحيح, إضافة إلى أن آليات تحديد القدرة والجدارة غير مُحددة بمقتضى هذا القانون.

والحقيقة حسب رأينا أن واضعي هذا القانون, سعوا من وراء هذا الفصل وفي ظل قناعتهم أن البلديات لن تستطيع تحمل مسؤولية الصلاحيات الجديدة في ظل تعميم النظام البلدي, إلى إرجاع الأمر كله إلى المجالس الجهوية لأنها هي “الأجدر” في رأينا ،مقارنة مع بلديات الجهة والأقرب مقارنة مع المؤسسات الإقليمية والوطنية, غير أن الأمر لن يستقيم في رأينا كذلك ، لأن قانون الجماعات المحلية سحب الصلاحيات التي تسمح للمجالس الجهوية بالتصرف بفعالية ضمن المجال الترابي الجهوي وهو ما سيضعها  في وضعية تصادم مع باقي المجالس البلدية لو تكفلت هي بتحمل أعباء أو جزء من أعباء البلدية حسب منطوق هذا الفصل إذ لا سلطة للمجلس الجهوي على المجالس البلدية .

مؤسسة الوالي والجماعات المحلية:

 طبقا لمشروع قانون الجمعيات المحلية  الولاية هي مؤسسة لا محورية، تشرف إداريا على عمل مجالس البلديات والمجالس الجهوية، إذ يتولى الوالي المختص ترابيا دعوة رئيس الجماعة المحلية إلىالدعوة للانعقادمجلسه للتداول في مشروع الميزانية في أجل أقصاه يوم 15 ديسمبرمن كل سنة طبقا للفصل عدد 162 وله أن يعترض على القرارات البلدية أمام المحكمة الإدارية الابتدائية المختصة كما يمكنه خلال عشرة أيام من تاريخ إعلامه بميزانية الجماعة المحلية الاعتراض عليها لدى غرفة دائرة المحاسبات المختصة ترابيا “من أجل عدم توازن الميزانية أو عدم إدراج نفقات وجوبية أو رصد مبالغ غير كافية لذات النفقات ” طبقا للفصل 288 ويمكن للوزير المكلف، أن يوقف مجلس الجماعة المحلية عن النشاط “بناءا على تقرير مُعلل من الوالي وبعد استشارة المجلس الأعلى للجماعات” كما يمكن للوزير المكلف إيقاف رئيس الجماعة المحلية أو مساعديه (بناءا على تقرير من والي الجهة) وأخيرا يمكن للوالي “أن يباشر صلاحيات رئيس الجماعة المحلية إذا امتنع أو أهمل القيام بعمل من الأعمال التي يسندها لها القانون … وفي صورة تقاعس رئيس الجهة الفادح أو عجزه على إتمام المهام المذكورة … ووجود خطر داهم” على معنى الفصل 330 .

ودون الخوض في الصعوبة التقنية للفصل بين إدارتي الوالي رئيس المجلس الحالية و مؤسسة الوالي اللامحورية التي سيتم إحداثها، إداريا و بشريا، وهي فرضية لو سلمنا بضرورة وجودها تتطلب سنوات من الإعداد الترتيبي والقانوني واللوجستي لتحويل الإدارة الحالية إلى إدارتين مختلفتين نوعيا ( مؤسسة لا محورية وأخرى لا مركزية ) فإننا نتساءل عن مدى قدرة مؤسسة الوالي اللامحورية على فرض قانونية الأعمال المتعلقة بإعداد الميزانيات أو بتنفيذ الإجراءات الترتيبية، على المجالس المنتخبة و كيف لها أن تفـرض سلطتها التنفيذية في حالة قيامها بعزل رئيس مجلس بلدي أو مجلس جهوي منتخب في ظل مناخ سياسي مشبع بالتنوع الحزبي و لازال يتميز باعتماده على الروابط القبلية والجهوية و بشعور الأفراد فيه بالولاء للأحزاب أو الروابط الدموية والقبلية والجهوية قبل ولاْئهم للقانون وهي حالة اجتماعية ستمتد في الزمن طالما أن شروط وجودها ستظل قائمة، علما أن النصوص القانونية لاتغير الواقع الاجتماعي إنما يغيره وعي الأفراد بحقيقة مصالحهم الموضوعية والذي يرتبط بدوره بتطور الواقع الاقتصاديوالاجتماعي والثقافي، وهو ما يعني حتما ضرورة التفكير في طبيعة المرحلة واستنباط الآليات والمؤسسات التي تنسجم مع طبيعة المجتمع وتساعد على تحول اجتماعي سليم لا يكون عائقا في وجه التنمية الاقتصاديةوالاجتماعية ،وبالتالي فإننا نرى أن وجود مؤسسة الوالي بما أُسند لها من صلاحيات هي قفز على الواقع الحالي للدولة وإلغاء لمؤسسة ترسخت في الوعي الجمعي للتونسيين على أنها هي الجهة التي  يمكن أن تقدم للمواطن وللمؤسسات الجهوية الحلول والأجوبة  (على ضعفها الحالي) ألا وهي مؤسسة الوالي رئيس المجلس الجهوي.

لقد تعود المواطن على الالتجاء إلى الوالي حتى في ما يتعلق بمشاكله العائلية والشخصية ،و لازال الم يـرى في مؤسسة الوالى امتدادا لمؤسسة شيخ العشيرة وهو يحضى عندهم بنفس الهيبة والاحترام وسيتواصل هذا السلوك إلى حين ترسيخ ثقافة المؤسسات ،وإلى ذلك الحين سيتوجه المواطنون إلى الوالي لطرح مشاكلهم لمجرد حمله لهذه التسمية ،وستنقضي فترة طويلة قبل أن يعي السكان أن الوالي لم يعد له نفس الدور الذي أمنه لمدة ستون سنة  ونرى من خلال الجدول الموالي آليات الرقابة على ميزانيات المجالس المحلية وعملها الإداري وغياب دور المجلس الجهوي عن رقابة العمل التنموي بالجهة .

الجماعات المحلية والرقابة اللاحقة .

ينص الأمر عدد 668 بتاريخ 6 أوت 1976 وعدد 2999 بتاريخ 31 ديسمبر بتاريخ 1989 المتعلق بمراقبة المصاريف, على أن دور مؤسسة مراقبة المصاريف العمومية هو التثبت من قانونية النفقة العمومية ومنح المشترى العمومي تأشيرة بالنفقة بشكل قبلي, ويسمح هذا القانون لمصالح الرقابة العمومية بالتثبت من سلامة الإجراءات منذ الخطوة الأولى التي تتحول فيها أفكار المشاريع إلى دراسة كمية وإعلان طلبات العروض التي تظمن عدالة المنافسة بين مسندي الخدمات وإخضاع عمليات قبول العروض والفرز وإعلان النتائج إلى إجراءات صارمة يحددها قانون الصفقات العمومية, وقد تم ضبط كل هذه الخطوات الإجرائية برزنامة زمنية دقيقة, ولم يحدث بالرجوع لتجربة الإدارة التونسية وتقارير دائرة المحاسبات وكذلك بالرجوع إلى التقارير المقارنة, أن تم التشكيك أو التساؤل حول جدوى مؤسسة مراقبة المصاريف العمومية ولا يمكن ولن يمكن اتهام هذه المؤسسة بالرجوع لنفس المراجع المذكورة أعلاه أو بالاعتماد على تدقيق موضوعي , بأن مؤسسة مراقبة المصاريف كانت سببا من أسباب تعطيل المشاريع الجهوية أو الوطنية, وإن كان هناك ما يجب تطويره لتسريع نسق إنجاز المشاريع فلا بد من إعادة النظر في جملة من القوانين منها قانون الصفقات العمومية.

وتعني الرقابة البعدية أو اللاحقة ، قيام مراقبة المصاريف العمومية بالتثبت من قانونية الإجراءات المتعلقة بالنفقة العمومية المُنجزة بعد انتهاء الأشغال، وهو ما سيمكن المتصرف العمومي أي رؤساء الجماعات المحلية في واقع الحال, من ربح الكثير من الوقت وتسريع نسق إنجاز المشاريع المحلية والجهوية, ولكن السؤال هو كيف لإدارات الجماعات المحلية الممتلئة بأعوان يفتقدون الاختصاص والتكوين اللازم ( وهم في أغلبهم منتدبون من عمال الحضائر ) أن تضمن سلامة إجراء الصفقات والاستشارات العمومية وكم يلزم من الوقت لتكوين هؤلاء أو لتعويضهم بعناصر أكثر كفاءة تضمن قانونية النفقة في انتظار الرقابة اللاحقة, وما هو الفرق عندئذ بين مراقبة المصاريف العمومية ودائرة المحاسبات من حيث شكل التدخل (اللاحق), وكيف يمكن منع مجلس بلدي أو جهوي انتخبت أعضاءه لتحقيق أهداف ملموسة فوجدوا أنفسهم مدفوعين (سعيا للنجاح) لغض النظر عن عدم قانونية الإجراءات والآجال أو التعهد بنفقات لإنجاز جملة من المشاريع بعنوان سنة مالية ما وهم لا يملكون الإعتمادات الكافية, حيث سيعتمد إبرام الصفقات على وثائق التعهد فقط, لقد علمتنا التجارب السابقة أن رؤساء البلديات يعمدون إلى مغالطة اللجان الجهوية للصفقات بتقديم شهادات مالية صادرة عن القباض البلديين تفيد بتوفر اعتمادات متأتية من الجباية المحلية أو غيرها, في حين أنها في الحقيقة مجرد تقديرات ؟

وكيف يمكن لمراقبة المصاريف العمومية التي ألـزمها الفصل 154 من شروع مجلة الجماعات المحلية بالرقابة اللاحقة دون الأخطاء التي ستحصل عند إنجاز المشاريع والبرامج المنجزة وكيف يمكن للهيئة العليا للمالية المحلية التي أحدثها الفصل عدد 54 أن تصلح وضع المالية المحلية بعد أن تصبح أخطاء التصرف أمرا واقعا, إن هذا الإجراء ليس مرفوضا بذاته ولكنه يفترض توفر عدة شروط هامة غير متوفرة ولا نتوقع حصولها في المدى المتوسط مثل توفر الموارد البشرية والخبرة الكافية بالتصرف المالي والإداري لدى الجماعات المحلية والثقافة الضرورية لدى المجالس البلدية والجهوية التي تحترم مبدأ علوية القانون والشفافية والإلمام بمقتضيات التصرف المالي والإداري.

المجتمع المدني: أيّ موقع و أيّ دور ؟ 

إن أهم ما تعنيه اللامركزية هو تشـريك كل الفاعلين المحليين و الجهويين في صنع الفعل و التصوّر و الرأي وهو ما لن يتسنى بالاقتصار على فئة أو فريق أنتجته انتخابات محلية أو جهوية بل بتوسيع مجال المشاركة لمنضمات و جمعيات المجتمع المدني و قد نصّ الفصين عدد 208 و 310 من مشروع قانون الجماعات المحلية على وجوب تخصيص مكان لمنضمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام خلال جلسات المجلس ابلدية و  تخصيص مكان لممثلي النقابات العمالية و نقابات الأعراف الأكثر تمثيلا بالجهة كما أكد الفصل عدد 28 من المجلة على ضرورة تطبيق مبدأ المشاركة في إعداد المخططات التنموية و تناول كل المسائل التي تخص الشأن البلدي مع المتساكنين و ضرورة الاستماعإليهم وتسجيل مقترحاتهم على معنى الفصل 33.

ولكن ما لا نفهمه هو كيف يمكن أن يكون للمجتمع المدني أو من يمثلونه من تأثير فعلي إذا اقتصر حضورهمضمن جلسات دورات المجالس البلدية والجهوية على الاكتفاء بدور الملاحظ, أي أنه لن يكون لهم حق إبداء آرائه بشكل رسمي ولا يحق لهم التصويت, لقد علمتنا تجربتنا الوطنية وخاصة منها الفترة الأخيرة أي منذ سنة 2011,  أن منظمات المجتمع المدني باستطاعتها أن تتفاعل بشكل ايجابي وعملي يفوق دور الأحزاب السياسية كما تعلمنا أن  المنظمات الوطنية الكبرى وعلى رأسها  الاتحاد العام التونسي للشغل يمكنها أن تكون الضامن الأبرز للخيار الوطني و منع انزلاق الفعل نحو الخيارات السياسية التي يمكن أن ترتبط بأهداف حزبية أو فئوية تكتيكية تتعارض مع المصالح العامة للدولة ،لقد لعبتالاتحادات الجهوية للشغل بجلّ الولايات خلال السبع سنوات الأخير من مشاركة للسلطة الجهوية في تأطير التحركات الاجتماعية والبحث عن حلول للأزمات الجهوية والمحلية ،بل والحلول محل الولاة والمديرين الجهويين في عدة مناسبات لتقديم الحلول للأزمات التي ارتبطت ولازالت تتواصل بعملية التحول الاجتماعي الذي تعيشه بلادنا ،وقد أظهرت هذه المؤسسات قدرا من النضج والقدرة على إدارة الأزمات وتبني مواقف عقلانية 

لذلك نتساءل لماذا تم تحييد دور هذه المؤسسات وخاصة الكبرى منها والأكثر تمثيلية في بلادنا, خاصة وأنها منظماتتعتمد الانتخاب الديمقراطي الحر لانتخاب قياداتها وهياكلها وتعبر عن مصالح وهواجس قطاعات واسعة وفاعلة, إننا تعتقد أن وجود مكونات المجتمع المدني ضروري لإنجاح مسار الديناميكية الجديدة التي يمكن أن تتشكل داخلالمجالس المحلية والجهوية المنتخبة بشكل ديمقراطي وشفاف ونعتقد بشدة في ايجابية الدور الذي يمكن أن يؤديه القياديون المحليون والجهوين للإتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف والفلاحين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في خلق التوازن إذا ما تم منحهم صفة الأعضاء القارون الذين لهم حق الملاحظة والنقد والاقتراح والتصويت .

شكري تيساوي

متحصل على دكتوراه في علم اجتماع التنمية الجهوية واللامركزية من كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس دكتور شكري التيساوي، مختص في علم اجتماع التنمية والإدارة، باحث في مجالات التنمية والاقتصاد والإدارة، أستاذ بكلية العلوم القانونية والتصرف بجامعة جندوبة، عمل بوزارة التربية لمدة خمس سنوات ثم التحق بوزارة التخطيط والمالية لمدة سبع سنوات ومن ثمة التحق بوزارة الداخلية والتنمية المحلية لمدة 12 سنة ثم شغل خطة متفقد إداري ومالي بوزارة التربية منذ 8 سنوات